بقلم : سمير عطا الله
يخيل للمرء أنه فيما يبحث العالم عن معالم الشرق الأوسط الجديد، سوف تكون أوروبا جديدة قد بدأت في الارتسام. ومن خلالها نظام عالمي جديد. ونحن لا نتابع أخبار أوكرانيا بما يكفي، لأننا غرقى قضايانا وحروبنا وزلازلنا، لكنها دخلت على ما يبدو مراحلها الأخيرة. وقد يكون الانتصار لفلاديمير بوتين بعد كل ذلك الإذلال الطويل أمام الأوكران، ومن خلفهم الأوروبيون، وأميركا جو بايدن. تغيرت أشياء كثيرة مع دونالد ترمب ولا تزال، عرض خطة سلام ترضي صديقه الروسي وترعب غريمه فولوديمير زيلينسكي. وقد نرى الكوميدي السابق في دوره الأخير. سوف يقول له ترمب بكل بساطة: من أجل أوكرانيا وهذا العالم، ارحل. سوف تعطيك واشنطن الإقامة الدائمة.
وجوه كثيرة سوف تخرج عن المسرح في العالم الجديد. السينيور مادورو في فنزويلا لن يطيل البقاء. واشنطن عائدة لاستعادة حديقتها الخلفية في أميركا الجنوبية. والوقت يداهم الجميع. مضى زمن الخطب الطويلة وفيدل كاسترو يتحدث أربع ساعات. اليوم تصريحات مقتضبة من بضعة سطور يليها بيان من ترمب بأن أجواء فنزويلا مغلقة برمتها. وفي إمكان الديمقراطية والمواثيق الانتظار.
الكلام سهل طبعاً. لكن سلام أوكرانيا سوف يترك المزيد من الكوارث والموت والتشرد والدمار في أوروبا، وسوف تتغير خريطتها ويطلب منها أن تنسى الكثير من جذورها. صحيح أن المعركة طالت كثيراً. صحيح أن روسيا المجيدة أرغمت على الاستنجاد بكوريا الشمالية أمام الربح الأوكراني، بعد أن كانت تخيف أميركا. ولكن يضحك طويلاً من يضحك أخيراً، كما يقول المثل الفرنسي.
تتقدم القوات الروسية في أوكرانيا ترافقها أو تسبقها «براغماتية» ترمب السياسية، وترتعد أوروبا في خوفها: كيف سينتقم أسد الكرملين ممن ألحق به هزائم.
في غضون ذلك تشتد الحملة لتحطيم صورة زيلينسكي وتتكاثر من حوله كشوفات الفساد واستغلال رجاله للشعب المحارب. وعلى الجميع تعلم الدرس: ترمب رابح في كل الحالات. يخسر أمام زهران ممداني، وفي اليوم التالي يحتفي به في البيت الأبيض. يتصل شخصياً برئيس فنزويلا لكن من أجل أن يبلغه الإنذار الأخير: وإلا...!
أما نحن، أهل هذه المسكونة، فإن علينا ما نتعلمه أيضاً: دع العاصفة تمر. دعها تبتعد. الحكمة ليست عاراً ولا جبناً، خصوصاً في ساعات الفوضى وعسر المخاض. ولنراقب معاً الوجوه المرشحة للتغيير. وبمن سيتصل ترمب ليقترح عليه أبواب الخروج.