سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام

سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام

سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام

 العرب اليوم -

سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام

بقلم : فاروق جويدة

فى أحيان كثيرة تحتار أمام بعض الشخصيات ، خاصة إذا تعددت جوانبها واتسعت مساحات الأحلام فى مسيرتها، وزارتها مثل كل العابرين من البشر هموم الرحلة ومتاعب الطريق .. أتحدث عن صديقة من الزمن الجميل ،هى د. سعاد الصباح، فى زمن الأحلام الكبرى كانت تُحلّق مع الحلم العربى حين كان عنيدا صاخبا وفى زمن الانكسارات، بكَتْ كما تبكى الأوطانُ حين تغرق فى أحزانها..

ــــ ولا أدرى عن أى سعاد أتحدث: الشاعرة أم الأميرة أم المرأة العربية التى حملت هموم أمتها نصرًا وانكسارًا، وحبًا واغترابًا.. ليست قصيدتها ساحةً للعاطفة فحسب، بل ميدانٌ يُخاض فيه الصراع بين الحرية والقيد، بين الحق والخذلان.. كتبت عن الوطن كما تكتب العاشقة عن حبيبها، وكتبت عن المرأة كما تكتب المرأة عن ذاتها بلا خوف..

ـــــ عرفت سعاد الصباح منذ فترة بعيدة، جمعتنا ندوات وأمسيات شعرية بين القاهرة والكويت وعواصم أخرى، والتقينا مرارًا حول قضايا الوطن وأحزان الأمة، وعشنا معًا فى رحاب شاعرنا نزار قباني، وأحببناه معًا: شاعرًا وإنسانًا وصديقًا.. وسعاد، التى عرفناها شاعرة، تحمل فى جعبتها مجموعة دواوين من الشعر، وعددا من المسرحيات تتحدث فيها القصيدة على خشبة المسرح بلغة تُترجمها القلوب قبل اللسان.. قصائدها تُقرأ فى باريس، وتهمس بها نساء الشرق، وتُترجمها جامعات الغرب لأنها تقول الحقيقة بصدق الأنثى، وشجاعة المبدع.. فلم تكن مجرد عاشقة للكلمة، بل كانت عاشقة لحريتها، لعقلها، لصوتها الخاص. كتبت عن الحب كمن يكتب وصيته، وعن الحرية كمن يغنى فى ساحة حرب. لم تقل ما يُرضي، بل قالت ما يُشبهها، وما يُشبهنا.

تقول فى قصيدتها:

«أنا أنثى... أنا أنثى...

لكنّى لو خُيرت بين الموتِ وبين الشعرِ...

اخترتُ الشعرَ لأنّى فيه أعيشُ وأموتُ كما أشاء»

فى ديوانها «دفتر امرأة لا تُشبه أحداً ومن «أمنية» إلى «لو أننى امرأة أخرى»، ومن «فتافيت امرأة» إلى «آخر السيوف»، كان كل ديوان نافذة تطل منها على قلبها.. وعلى وطنها.. وعلى نساءٍ كثيرات يكتبن خلف الستائر ولا يَجدن من يسمع.. فى البدء «كانت الأنثى» لم يكن عنوانًا شعريًا فحسب، بل كان إعلانًا وجوديًا، شهادة ميلاد لامرأة قررت أن تكون أولًا، لا ظلًا..

ــــ خرجت سعاد من حدائق الكويت الثقافية فى عصرها الذهبي، وانطلقت فى سماء الشعر تغنى للحب والوطن والحرية.. كانت صوتًا جديدًا واعدًا، وسرعان ما أخذت مكانتها فى ساحة الشعر العربي، وهى تغنى للحب وتحلم بعالم من الحرية والأمل.. كان انتماء سعاد للأسرة الحاكمة فى الكويت، وزواجها من رمز كبير من الأسرة، أحد الأسباب التى جعلتها تتصدر الصفوف الأولى رسميًا واجتماعيًا..

ـــــ جاءت سعاد إلى القاهرة، وبحكم منصب زوجها الشيخ عبدالله المبارك الصباح، وجدت نفسها بجانب أعرق المناصب، حيث مجلس قيادة الثورة والمجتمع الثقافي، وأنور السادات، وجيهان السادات، وكتاب مصر الكبار: أحمد بهاء الدين ويوسف إدريس.. وسرعان ما حصلت على درجة الدكتوراة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأخذت مكانها بين أساتذة الجامعات المصرية.. عاشت سعاد فى هذه الفترة أزهى فترات حياتها.. انطلقت بأشعارها تطوف العواصم العربية، واستقرت فى القاهرة مع النخبة المصرية ما بين السياسة والفن والإبداع.. أصبحت سعاد الصباح سفيرة للكويت فى مصر، من خلال زوجها وعلاقته بكبار رجال الحكم والنخبة الثقافية.. كانت هذه الفترة فى حياة سعاد هى فترة التكوين والبريق: سياسيًّا وثقافيًّا وإنسانيًّا.. كان مشوار سعاد متعدد الجوانب، وكانت فترة حياتها فى مصر أخصبها تكوينًا وإبداعًا.. تعددت مراحل مشوارها فى أكثر من عاصمة، سواء فى لبنان أو أوروبا أو القاهرة، وبدأت فى نشر أشعارها،أغنيات حب للمرأة العربية، تدعو للحرية والمساواة وحقها فى حياة كريمة..

ــــ عرفت سعاد عن قرب، وجمعت بيننا مناسبات كثيرة فى لقاءات أو أمسيات خاصة، فى صحبة نزار قباني.. ولكن سرعان ما جاءت العواصف.. كنت أتلقى دعوة للمشاركة فى مهرجان المربد، وكان أكبر مهرجان شعرى تقيمه بغداد كل عام، وكنت أعتذر عن عدم المشاركة..

ـــــ كانت سعاد تأخذ موقف تأييد للعراق فى حربها مع إيران، وعاتبتنى أننى أعتذر عن مهرجان المربد، وقلت لها: لن أذهب.. ومرت شهور وحدثت الكارثة، فقد احتل الجيش العراقى الكويت.. وجاءت سعاد إلى القاهرة، وأقمنا معًا أمسية شعرية فى حب الكويت فى نقابة المحامين بالقاهرة.. وعاشت سعاد شهور الاحتلال فى القاهرة، ويومها كتبت أكثر من قصيدة حب للكويت، ما زالت حتى الآن تُدرس فى مدارسها وعادت الكويت محررة، ورجعت سعاد إلى وطنها، وبقيت قصائد العتاب للعراق وقصة الغزو.

وبقدر ما أحبت سعاد العراق، شعبا، ووطنا، وتاريخا، بقدر ما كان حزنها عنيفا وقد كتبت سعاد قصائد بديعة فى صورة عتاب:

أيها الجارُ الذى كانَ مع الأيامِ جارا

يا الذى روّعتَ آلافَ المها

إنَّ قتلَ الكحلِ فى العينينِ، لا يدعى انتصارا

إن ما سميتهُ ملحمةً كبرى،

أسميهِ انتحارا..

أيها الجارُ الذى هدمَ داري

وأنا عمرتُ فى قلبى له ركنا ودارا..

إننى مكسورةٌ.. مقهورةٌ.. ذاهلةٌ..

تقذفُ الخيبةُ أحلامى يمينا ويسارا..

يا الذى أهديتهُ الماءَ.. وأهدانى الصحارى

يا الذى أهديتهُ الأفقَ.. وأهداني.. الحصارا

يا الذى أهديتهُ نصرا من الله..

وأهدانى احتلالا.. وانكسارا..

يا الذى أحرقَ أسرابَ العصافيرِ..

وما قدّمَ للريش اعتذارا.

لا تؤاخذني، إذا جنَّ جنوني

أنتَ لم تتركْ لإنسانٍ خيارا..

ــــ عادت سعاد تغنى للعروبة وقضايا الأمة ووقفت بجانب الشعب العراقى فى قمة الغزو الأمريكى الغاشم لبغداد وكانت مواقفها من القضية الفلسطينية، شعرًا، وموقفًا، ومالًا، نموذجًا فى الدفاع عن قضايا الأمة..

وقد كتبت كلمات بديعة إلى نساء غزة:

(فلسطين)..

آآآه.. هذا هو اسمها!

هذه هى المرأة التى يحبّها أبى وتحرّك كل مشاعره.. وتعيش فى وجدانه، يردّد اسمها، ويدعو لها.. فألتفت إلى وجه أمى فأرى عينيها السوداوين الواسعتين تغرقان بالدموع..

لماذا إذا جاء ذكر فلسطين فاضت عيناها الجميلتان..؟

كنت أطالع أمّى وهى تتألم!

لماذا لا تحتج.. ولا تحاسب أبى على حبه لغيرها، ولا تعاقبه أو تعاتبه على انشغاله بها؟

لم أكن أستطيع النوم وأنا أشتعل غيظاً وغيرة من تلك المرأة التى تسمى فلسطين!

 عرفت أن فلسطين التى أغار منها ليست امرأة.. بل هى قضية ومبدأ وإنسان.. وحالة ظلم، وجور واغتصاب أرض!

عرفت ماذا يعنى احتلال، وماذا يعنى تهجير، ومنفى، ومخيمات، ونكبة 48، وفلسطينيو الداخل، وفلسطينيو الشتات.

 وسمعتُ بالاستيطان وبالمقاومة..

 وعرفتُ معنى القدس والمسجد الأقصى ومسرى النبى عليه السلام والبراق.. وحائط البراق.

ــــ وقد قدمت للمكتبة العربية سلسلة من الأبحاث والدراسات، تناولت سعاد تاريخ الأسرة الحاكمة وقصة حياة زوجها، ودواوين من الشعر الجميل، الذى يمثل إضافة حقيقية لمسيرة الشعر العربية وأنشأت دارا للنشر تحمل اسمها أصبحت من أهم منابر الثقافة العربية..

ـــــ حين تكتب سعاد الصباح عن وطنها، فإنها لا تؤرخ لأسماء أو تواريخ فحسب، بل تكتب بروح العاشقة التى تنبش فى ذاكرة الرمل، وتفتش عن جذور النخيل فى قلب الصحراء.. فى كتابها «الكويت فى عهد محمد بن صباح الصباح الحاكم السادس»، تمضى سعاد بين سطور التاريخ، لا كشاهدة حياد، بل كاتبة لهذا الوطن، تعرف أن الدم الذى يسرى فى شرايينها هو بعض من حكايات أولئك الرجال الذين أسسوا الحضور، وكتبوا البداية..

ـــــ سعاد الصباح ليست صفحة فى كتاب الشعر العربي.. إنها فصلٌ كامل من فصوله.. كتبت بحبر القلب، ودافعت عن الحلم فى زمن الهزائم.. لم تكن أنثى تقول شعرا، بل كانت قصيدة تمشى على قدمين.. ومن أراد أن يعرفها، فليقرأها.. لا سيرة تُرويها، بل قصيدة تحكيها.. وما بين أحلام الشعوب وهموم الأمة، ما زالت سعاد تدافع عن حلمها فى أوطان كريمة حرّة.

ـــ مازلت أتواصل مع سعاد فى مناسبات كثيرة ، ومن شهور جاءنى صوتها: «أنا فى بيت الله الحرام، فى الكعبة الشريفة، أؤدى فريضة الحج، ودعوت لك كثيرًا».

                                                        

                                                      ◙     ◙    ◙

..ويبقى الشعر

 

قُل للِكويتِ التى تَبكِى شَواطُئها

فى كُــلَّ بيتٍ لكـُم فى مِــصرَ أحـبابُ

إنّا على العَهدِ رَغم الجُرح يَجمَعنَا

عُمرٌ .. وحُلم ٌ.. وأحْزانٌ ..وأنسَابُ

إنا على العهد تؤويكم جوانحنا

وتَحتَويكُم هــُـنا فى مـِـصرَ أعْتـَابُ

إنْ ضَاقَتِ الأرضُ تحمِيكُم سَوَاعدُنَا

وَيفتديــكُم بِأرضِ النّـيـلِ أصْحــابُ

لَحنُ الوفَاءِ الذى كْم كانَ يُطربُنَا

فوقَ الكويتِ قـــريبًا ســوفَ ينسَابُ

قُلْ للِكُويتِ التى غابتْ نوارِسُهَا

لكل ضيــقٍ.. ومَهمــَـا طــال َ..أبواب

يَادارَ لَيْلى .. زمان ُالغدر ِعلَّمنَا

بالخوف نحيا.. وفى الأحْبَابِ نَرتَابُ

دم الكويتِ على عَينيك ِأرقَنِى

فَهلْ جزاءُ الوفــَا قتلٌ .. وإرهابُ؟

نشتاقُ دينا طَهُورا ..لا تُمزقُهُ

دَعوَى الضلال ِ.. ولاَ يَحميِه نَصَّـابُ

نشتاقُ سَيفًا جسورا.. لاَ يُدنسُهُ

دَمْ الشقِـــيـق ِ..ولا تُغــــرِيِه أسْلابُ

-----------------------

 من قصيدة «فى كل بيت لكم فى مصر أحباب» 1992

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام سعاد الصباح بين قصائد الحب وانكسارات الأحلام



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:17 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

روبيو يحدد "الحل البسيط" لإنهاء الحرب في غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab