ما تحتاجه سوريا اليوم

ما تحتاجه سوريا اليوم

ما تحتاجه سوريا اليوم

 العرب اليوم -

ما تحتاجه سوريا اليوم

بقلم : يوسف الديني

في منتدى الاستثمار بالرياض، قال الرئيس السوري أحمد الشرع جملةً أثارت انتباه المراقبين: «السعودية مفتاح سوريا استثمارياً». كانت عبارة تختصر أكثر من بعد اقتصادي؛ فهي تعبير عن لحظة إقليمية جديدة يتراجع فيها الصراع الآيديولوجي لصالح سباق التنمية، وتتحول فيها السعودية إلى مركز ثقلٍ عربيٍّ يُعاد عبره تعريف معنى الدولة الحديثة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإنّ مفتاح الخارج - السعودي تحديداً - لا يكتمل من دون مفتاحٍ داخلي هو الأهم والأكثر تحدياً: الوحدة الوطنية السورية، التي تبقى شرط النجاح لأي تجربة سياسية أو اقتصادية مقبلة.

المنطقة تمرّ اليوم بمرحلة انكماش آيديولوجي وشعاراتي، إذ تراجع نفوذ المحور الإيراني إلى أدنى مستوياته، وتهاوت أذرعه الإقليمية إما فكرة أو تأثيراً في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ومع وقف إطلاق النار في غزة، بدأت لحظة غير مسبوقة في الشرق الأوسط: حالة السأم من الحروب الآيديولوجية الكبرى، وصعود منطق الواقعية السياسية والتنمية بوصفه القاسم المشترك الجديد للخطاب السياسي في المنطقة. في هذا السياق، تعود سوريا إلى مركز الصدارة، لا بوصفها دولة منهكة من الحرب فحسب؛ بل تعيش أهم اختبار لقدرتها على أن تتحول إلى نموذج للاستقرار المؤسسي بعد الانقسام.

ما قاله الشرع في الرياض كان أكثر من رسالة اقتصادية، بل إعلان ضمني بأن الرياض هي الشريك الطبيعي في مشروع تعافي سوريا. فالنموذج السعودي يكتسب أهمية مضاعفة للدول التي تسعى إلى الخروج من الحروب وبناء الدولة، لأنه ليس مجرد نموذج للتنمية، بل نموذج للحكم الرشيد، تشكّل عبر مسيرة طويلة في التعامل مع الإرهاب والخطاب المتطرف، وصولاً إلى ترسيخ مفهوم المواطنة كمبدأ أساسي للاستثمار في الإنسان قبل الاستثمار في المشاريع. هذا النموذج لا يُقدّم فقط دروساً في إدارة الثروات، بل في إدارة التحوّل الاجتماعي والسياسي بأقل تكلفةٍ ممكنة وأعلى قدرٍ من التماسك الوطني.

الرهان على السعودية إذن يجب ألا يكون رهاناً على الدعم المالي والسياسي؛ فهو من المسلمات في السياسة السعودية تجاه دول المنطقة، ولكن على الأنموذج؛ فهي الدولة التي أثبتت أنّ مكافحة التطرف لا تكون بالأمن وحده؛ بل ببناء الإنسان وتوسيع آفاق التعليم والاستثمار في المواطن والرهان على هويّة مواطنة جامعة. وهذا ما تحتاجه سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى. فبعد عقدٍ ونصف عقد من الحرب، لم تكن أزمتها الاقتصادية هي الوحيدة، بل أزمة الثقة بين مكوّناتها، والثقة بين الدولة والمجتمع. ومن دون عقدٍ اجتماعي فاعل يضمن المساواة والعدالة، لن يكون لأي مشروع إعادة إعمارٍ معنى حقيقي، لأن الخراب الحقيقي الذي أصاب سوريا والتهشم الذي طالها، كما هي الحال في دول كثيرة في المنطقة، مسَّا البنية الوطنية والهويّة السياسية.

لقد أظهرت السنوات الماضية أن إعادة الإعمار في الدول المنكوبة أو التي خرجت من أزمات كبرى لم تكن المعضلة الأساسية، بل بناء وحدة وطنية وهوية جامعة ومؤسسات قوية، ورؤية تقف خلف ذلك كله، فالأموال، مهما كانت حجم المساعدات، يمكن أن تتحول إلى وقود للمحسوبيات والنفوذ والحرب الأهلية لا للتنمية.

ما تحتاجه سوريا اليوم هو بناء مؤسساتٍ قادرة على إدارة التنوع، وتقديم الخدمات للمواطنين من دون تمييز، ومن دون أن تفقد الدولة المركزية هيبتها، فاللامركزية من دون سيادةٍ جامعة تُنتج الفوضى، بينما الفيدرالية المفرطة تُضعف الدولة وتُفقدها وحدتها.

الوحدة الوطنية هي حجر الأساس لسوريا الغد؛ فالخطر الأكبر ليس في غياب الدعم الدولي، لأن من مصلحة الجميع دعم سوريا لأسباب متفاوتة تعود في مجملها إلى أهمية موقعها، والخوف من أن انزلاق الوضع هناك يؤثر على المنطقة بأسرها، الخوف الحقيقي من تآكل الثقة بين السوريين أنفسهم.

الشراكة السعودية - السورية فرصة نادرة لبناء نموذج عربي جديد لما بعد الصراع. فالسعودية تمتلك الإرادة والخبرة والرؤية، والأهم الحياد تجاه كل المكونات السورية وعدم وجود أي أجندة خاصة، كما أن سوريا تمتلك التاريخ والموقع ورأس المال البشري القادر على النهوض مجدداً، هذا التقاطع السياسي التنموي فرصة عظيمة لتصبح دمشق مختبراً لنموذج شرق أوسط تنموي جديد بدعم من دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية.

الزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى واشنطن بعد زيارته الرياض، تأتي في هذا السياق بوصفها خطوة مهمة نحو إعادة إدماج سوريا في المشهد الدولي، خصوصاً في مسألة الحرب على الإرهاب، لكنّه رسالة أيضاً لمرحلة فاصلة بين زمنين: من الحرب إلى الدولة، ومن الانقسام إلى البناء، والسعودية كما أنها مفتاح السوريين للمنطقة والعالم بما تملكه من ثقل سياسي واقتصادي وثقة داخل الأوساط السورية؛ فإن المفتاح الحقيقي في الداخل السوري هو الوحدة الوطنية.

التعافي الحقيقي يبدأ حين تنجح سوريا في تحويل التنوّع إلى مصدر قوة، والحوار إلى أداة إدارة، والمواطنة إلى أساسٍ في بناء المؤسسات والخطاب السياسي. وحين يحدث ذلك، ستتجاوز البلاد فكرة «إعادة الإعمار» إلى إعادة التأسيس، وستكتشف أن الشراكة الحقيقية مع دول الاعتدال ليست استثماراً في البنى التحتية فقط؛ بل استثمار في فكرة الدولة العربية المتجددة والحيوية، تلك التي تُبنى على الإنسان، وتستمد قوتها من وحدته لا من الإرث الثقيل من أزماته.

 

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما تحتاجه سوريا اليوم ما تحتاجه سوريا اليوم



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:13 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 08:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فايزر تعلن وفاة مريض وُضع تحت اختبار دواءهيمبافزي

GMT 09:40 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

وفاة لاعب كرة قدم وسط مباراة رسمية بسبب تميمة سحرية

GMT 08:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة إسرائيلية تستهدف وسط بلدة حولا جنوبي لبنان

GMT 19:52 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أحمد عبد الوهاب الابن الأصغر لموسيقار الأجيال

GMT 09:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

شهيدان بغارة إسرائيلية على حافلة في الهرمل شرقي لبنان

GMT 19:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قادة الأسد السابقون يحاولون استعادة نفوذهم في الساحل السوري

GMT 13:39 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

خبيرة أممية تحذر من ظروف احتجاز زوجة عمران خان

GMT 13:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بنيامين نتنياهو يتوعد «حماس» بعد إصابة ضابط بانفجار في رفح

GMT 08:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 3 عناصر مسلحة في اشتباكات مع الأمن السوري

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 3 أشخاص خلال اشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 23:45 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

خطة إسرائيل الضخمة للتسلح بقيمة 110 مليارات دولار

GMT 10:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

احتفلوا بقيصر وتنازلوا عن الجولان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab