بقلم : فاروق جويدة
مازلت أذكر اليوم الذى نزلت فيه مدينة القاهرة، وصل القطار يومها ليلًا وأخذت طريقى وسط شوارعها المضيئة، قليلًا ما أظلمت القاهرة. مازلت أحفظ شوارعها: سليمان باشا وقصر النيل وميدان الأوبرا القديمة، فى ميدان العتبة قبل أن تحترق. كان شارع عماد الدين شارع الفن، وكان قلب القاهرة يشبه تمامًا الشانزليزيه فى باريس، وكانت عمارات الخديوية تحفًا معمارية. كانت المحلات الفاخرة قطعًا فنية: شيكوريل، وجاتينيو، وهانو، وصيدناوى. وكانت شوارع شريف وسليمان وقصر النيل تجمع أرقى وأجمل عمارات القاهرة. كانت الأوبرا فى ميدان العتبة، وأجمل مكتبات مصر فى الأزبكية. وفى أحياء القاهرة قصور الزمالك، وجاردن سيتي، ومصر الجديدة، وجامعة القاهرة، وسيدنا الحسين، وأم هاشم، والسيدة نفيسة، والإمام الشافعى، وقلعة صلاح الدين، رضوان الله عليهم. وكانت جامعة القاهرة تزين النيل، وبجوارها الأورمان وحديقة الحيوان، وكان النادى الأهلى يزين الجزيرة، والزمالك فى المهندسين. وكان البنك المركزى وبنك مصر والبنك الأهلى مزارًا يوميًا، وكانت قصور أثرياء مصر وفنانيها تزين الزمالك وجاردن سيتى وكورنيش النيل حتى المعادى.
هذه هى القاهرة العريقة التى كثيرًا ما حلمت على شاطئ نيلها، وعشت مع أغنيات عشاقها. هناك خطة لتطوير قلب القاهرة تحدث عنها رئيس الحكومة د.مصطفى مدبولي، وأنا على ثقة أن له ذكريات كثيرة فيها. أرجو ألا تحرمونا من عبق رحيقها القديم..الأماكن ليست أقل قيمة من البشر، وبعضها أغلي. والقاهرة ليست أرضًا ومكانًا وبيوتًا، إنها أغلى وأجمل سنوات عمرنا، حياةً وأحلامًا وذكريات..
أحفظ كل ملامح القاهرة ولا أدرى بعد هذا العمر من منا يحفظ ملامح الآخر.