بقلم : فاروق جويدة
هناك شيء جميل فى الحياة نتعلم منه دون أن يفرض علينا أحد ذلك، إنها القدوة.. هذا الدرس الذى نتلقاه كل يوم فى أشياء تبدو صغيرة لكنها تشكل قيم الإنسان ونظرته فى الحياة والبشر.. والقدوة ليست المواعظ والحِكَم، ولكنها النموذج الذى يتسلل داخلنا أطفالًا وكبارًا.. .
إن الأب داخل البيت قدوة، لأنه يقدم دون أن يدرى صورة لحياة تحقق للإنسان العدل والكرامة.. والأب حين يعمل ويكافح ليسعد الأسرة فهو يقدم درسًا فى التضحية والعطاء.. وآلام هذا الكائن المبدع تجسدت فى حياتها أرقى وأصدق صورة للقدوة فى النبل والترفع. والأغنية الجميلة التى ترتقى بالوجدان تقدم إنسانًا أفضل..
والفنان الذى يحترم فنه ويمثل السلوك السوى خُلُقًا وفنًا يقدم للناس نموذجًا مترفعًا.. والمسئول الذى يقدر إرادة شعبه وحقه فى العدل والكرامة يمثل القدوة أمام كل من يجيء بعده..والعدل ليس كلامًا، والحق لن يكون تضليلًا، والكلمة طريق إلى الجنة أو طريق إلى النار..
والخالق سبحانه قدم لنا القدوة فى كل شيء: فى كتبه ورسله والصالحين من البشر، ورفع قيمة العدل والحق والإيمان، وجعل من الإنسان أرقى مخلوقاته بالقدوة الطيبة التى ينبغى أن تكون هداية للبشر.
كثيرًا ما أبحث الآن عن القدوة فى حياتنا، وأحزن كثيرًا كلما قرأت عن الجريمة والقتل والكذب والضلال وإهدار الحقوق والكرامة. من يعيد القدوة إلى حياة الناس وأخلاقهم ومواقفهم؟ وإلى متى تطاردنا حشود النماذج الرديئة من البشر؟..كلما ظهرت فى الأفق أشباح الكراهية واختفت طيور الرحمة، أقول: ابحثوا عن القدوة.
غابت القدوة فى الأسرة والشارع والعمل، وتحولت الحياة إلى غابة. من ينقذ البشر؟ القدوة الرديئة أفسدت أشياء كثيرة فى الحياة، فناً وأخلاقاً وسلوكاً.
ولكن مازالت للقدوة مصادرها فى الأديان والحكماء وأهل الفكر والإبداع، مازالت فى الفن الجاد والثقافة الرفيعة، مازالت القدوة فى السلوك المتحضر الواعي، ولكى تستقيم مسارات الحياة لابد أن تستعيد مقومات وجودها.