بقلم : فاروق جويدة
كانت مشكلة شاعرنا الكبير كامل الشناوى أنه يحب من طرفٍ واحد، ولذلك كتب «لا تكذبى»، وحبيبها «وعدت»، و«يا يوم مولدى».. وكانت أزمة المتنبى أنه أحب أخت سيف الدولة، ولم يكتب فيها بيتًا واحدًا.. وكان نزار قبانى يفضّل القصيدة عن الحبيبة، ولم يتناول أمير الشعراء أحمد شوقى الحب إلا فى «مجنون ليلى» و«جبل التوباد».. ولم يتصوّر إبراهيم ناجى أن «الأطلال» آخر ما بقى منه فى صوت أم كلثوم.. وحين هرب الجواهرى من العراق، لم يجد وطنًا يحتويه، وعاش مطاردًا بين البلاد، وهرب مظفر النواب والسيّاب من بغداد، فاختار أحدهما الكويت واختار الآخر لبنان.. وكان نزار قبانى يقول: «لم أجد عاصمة عربية أمارس فيها حريتى» ومات غريبًا فى لندن عاصمة الضباب، وماتت زوجته تحت أطلال بيروت.. وكتب التونسى أبو القاسم الشابى «إذا الشعب يومًا أراد الحياة»، ومات أمل دنقل فى «الغرفة رقم (8)» أشهر قصائده، ومات صلاح عبد الصبور فى جلسة مع الأصدقاء، وحملوه ومات فى قاعة الاستقبال فى أحد مستشفيات مصر الجديدة.. وفى الشعر العربى القديم مراثٍ كثيرة فى وداع الأندلس لأبى البقاء الرندي، ومرثية ابن الريب لنفسه، وأصبحت من أجمل شعر المراثي.
والغريب أن الشعراء كانوا دائمًا على سفر، ما بين الرفض والهروب، ولم تتّسع الأرض لأحدٍ منهم، وضاقت بهم أوطانهم، حتى شوقى نفاه الإنجليز إلى إسبانيا، ومازالت دول كثيرة لا تحب شعراءها، ومنهم من تغرّب أو مات، وفى كل الحالات رحل الشعراء وبقى الشعر.
مشكلة بعض الشعراء أنهم أحبّوا من طرفٍ واحد، وكانوا يسافرون بلا هدف، بحثًا عن مكان أو زمان أو أحلام قد لا تجئ.
وَقَدْ أَلْقَاكَ فِى سَفَرٍ
وَقَدْ أَلْقَاكَ فِى غُرْبَةٍ
كِلَانَا عَاشَ مُشْتَاقًا،
وَعَانَدَ فِى الْهَوَى قَلْبُهُ..
بقدر ما أحبّ العرب الشعر، بقدر ما اختلفوا مع الشعراء، وكان الحب من طرفٍ واحد..