بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
«أعجمى كاد يعلو نجمه – فى سماء الشعر نجم العربى – صافح العلياء فيها والتقى – بالمعرى فوق هام الشهب». هكذا مدح شاعر النيل حافظ إبراهيم نظيره الفرنسى فيكتور هوجو فى إحدى قصائده. ولا غرو فى ذلك، فهوجو شاعر فى الأساس قبل أن يكون روائيًا.
وهو معروف فى بلده بأنه شاعر أولاً ثم روائى ثانيًا. ولكنه اشتُهر فى أنحاء مختلفة فى العالم بأنه روائى فى المقام الأول. ويرجع ذلك إلى ترجمة أهم أعماله الروائية إلى لغات عدة فى الغرب كما فى الشرق، فاشتهرت على نطاق واسع، بخلاف دواوينه التى لم يُترجم منها إلا القليل الذى لم ينل مثل هذه الشهرة.
واللافت هنا أن شاعرًا كبيرًا مثل حافظ إبراهيم اختار أن يترجم له روايته الأكثر شهرة «البؤساء»، وليس ديوانًا من دواوينه الشعرية. وقد تعرضت هذه الترجمة لنقد شديد كان أشده وأكثره تفصيلاً من د. طه حسين فى الفصل الثامن من كتاب «حافظ وشوقي» الصادر فى عام 1933.
وانصب هذا النقد على لغة الترجمة التى وصفها حسين بأنها «بدوية جزلة لم تخلع أسمال البداوة، ولم ترتد حلل الحضارة» وأخذ عليه أن يصف بهذه اللغة عواطف ومعانى نشأت فى بيئة مختلفة تماماً فى أوروبا.
وأهم ما يأخذه حسين على الترجمة أنها غير مفهومة للعامة ولكثير من الخاصة, فقال إن «لغة الترجمة تحول بين القارئ وبين الفهم، لأنها لا تلائم روح العصر، ولا تعين على ما قصد إليه من نشر أدب هوجو». وأضاف: «لقد كلمت حافظ فى ذلك فقال: إنى عملت للخاصة، وكنت أظن أنى من هؤلاء الخاصة، فإذا بينى وبينهم أمد بعيد، وأحسب أن خاصة حافظ لا يوجدون إلا فى خياله».
ومع ذلك فقد أشاد بجهد شاعر النيل, فقال «إنى أحسب لحافظ هذه اللغة الجزلة، لأنها تدل على عناء وجهد عظيمين. وأنكرها عليه لأنها تكاد تجعل هذا الجهد غير نافع».
وهكذا يقدم عميد الأدب العربى نموذجًا رفيعًا للنقد البناء فى زمن كانت للحوار فيه قيمة كبيرة.