بقلم : عمرو الشوبكي
بعيدًا عن دهشة الكثيرين من دعوة الرئيس ترامب الإفراج عن المعتقل والمناضل الفلسطينى مروان البرغوثى، فإن الرجل تنطبق عليه كل الصفات الاستثنائية التى تجعله قائدًا حقيقيًا للكفاح الفلسطينى، وامتدادًا لقادة فتح والمنظمة العظماء الذين ظلوا رغم كل الصعاب والأخطاء ممسكين بالجمر وبتطلعات الشعب فى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
وكان الرئيس ترامب قد أشار إلى أنه سيحث إسرائيل على إطلاق سراح البرغوثى المسجون منذ أكثر من ٢٠ عامًا فى سجون الاحتلال، وأحجمت إسرائيل مرارًا عن إطلاق سراحه، وأرسلت مؤخرًا زوجته رسالة مؤثرة إلى الرئيس ترامب، قالت فيها: «السيد الرئيس، ينتظرك شريك حقيقى، شخص يمكنه المساعدة فى تحقيق حلمنا المشترك فى تحقيق سلام عادل ودائم فى المنطقة». وتدخل أيضًا بعض الوسطاء والأطراف الفلسطينية أثناء لقاء جرى مع صهر الرئيس «كوشنر» ومبعوثه «ويتكوف» من أجل إطلاق سراحه.
مروان البرغوثى يمكن وصفه بأنه «نيلسون مانديلا» فلسطين، فهو زعيم وطنى مدنى ينتمى لحركة فتح، واتهمته سلطة الاحتلال بالإرهاب وحكمت عليه بالسجن المؤبد ٤٠ عامًا، مثلما اتهم نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا مانديلا، وظل فى السجن ٢٧ عامًا حتى قاد بلاده نحو التحرر وإنهاء نظام الفصل العنصرى.
ويعد البرغوثى أحد قادة انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ ضد الاحتلال الإسرائيلى، وحافظ على علاقات جيدة مع قادة الفصائل الأخرى، خاصة حماس، ويحظى باحترام كبير لدى جانب من قادة فتح وأغلب قواعدها فى الضفة وغزة. ويُشبهه البعض بالرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات مع اختلافات فى الشخصية والسياق.
إن دلالة طرح ترامب فكرة الإفراج عن البرغوثى تقول إن الجانب العملى فى شخصيته ورغبته فى الإنجاز أسقطت اعتبارات سياسية كثيرة، فالبرغوثى رجل تحرر وطنى وربما يكون شارك فى التخطيط لعمليات مقاومة مسلحة، وهى جوانب تمثل النقيض لفكر ترامب الذى ينحاز لإسرائيل وللطرف الاستعمارى الأقوى، ولكن لأنه يريد لخطته أن تنجح، واكتشف أنه لا توجد شخصيات موثوق بها، قادرة على لم الشمل الفلسطينى وإدارة غزة وعبور كل المحطات الصعبة القادمة، إلا قيادة جديدة لديها شرعية وقبول بين فتح وحماس وأنصارهما.
التفكير العملى الأمريكى استبعد الانحياز السياسى والأيديولوجى والمواقف الشخصية مثلما يجرى كثيرًا فى العالم العربى واختار الأنسب القادر على الإنجاز، فأمريكا ترى ضرورة استبعاد حماس سياسيًا وعسكريًا، وترى أن السلطة الفلسطينية غير مؤهله لحكم غزة ومفروضة بالدفع الذاتى على الضفة الغربية، وتعانى من مشكلات سوء إدارة وترهل وفساد، كما أن الإدارة الفلسطينية المؤقتة لقطاع غزة، والتى طرح اسم أمجد الشوا كرئيس لها، يمكن أن تدير «بالعافية» المرحلة الانتقالية، ولكنها لن تستطيع الصمود أمام تحديات المرحلة الثانية وما بعدها.
لو تمت خطوة الإفراج عن البرغوثى فستُحسب لبراجماتية ترامب، وستضيف أوراق ضغط جديدة فى يد الشعب الفلسطينى.