بقلم : عمرو الشوبكي
تصورت إيران، طوال الفترة الماضية، أنها ستحمى نفسها بالتنظيمات المسلحة التى أنشأتها فى أكثر من بلد عربى: من لبنان إلى سوريا ومن العراق إلى اليمن، حتى اكتشفت أن هذه الأذرع التى أفادت إيران لفترة وأعطتها بعض أوراق القوة أفقدتها أوراقًا أكبر، بأن جعلت معظم الشعوب التى وجدت فيها هذه التنظيمات يحملون مرارات وعداءً كبيرًا لإيران وأذرعها.
صحيح أن إيران امتلكت العديد من أوراق القوة منذ اندلاع ثورتها وتبلور نموذجها «الممانع» الأكثر جدية من نظم ادعاء الممانعة العربية، فبنت قاعدة صناعية وعلمية قوية، وظفت جانبًا منها لأغراض سلمية وجانبًا آخر لأغراض عسكرية، وعرفت نظامًا سياسيًا شهد لفترة تنافسًا حقيقيًا بين الإصلاحيين والمحافظين، قبل أن يسيطر الاتجاه المحافظ على مفاصل الدولة، بدعم من المرشد، منذ بداية العقد الماضى، وأصبح التنافس بعدها بين محافظين مدعومين من المرشد وإصلاحيين يرضى عنهم المرشد. والحقيقة أن الأذرع التى حاربت بالوكالة عن إيران وتباهى بها قادة طهران سقطت تباعًا بإضعاف حزب الله، وتصفيه قادته، ثم سقوط نظام بشار الأسد، الذى احتلت الميليشيات الإيرانية سوريا فى عهده، كما وضعت الفصائل المسلحة المؤيدة لها فى العراق تحت رقابة صارمة، ولم يعد لها دور يذكر فى المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل، بعد التهديدات الأمريكية والقيود التى فرضتها الحكومة العراقية، أما الحوثى فقد تعرض لضربات قاسمة حاصرته، خاصة بعد تدمير الموانئ اليمنية وخطوط إمداده.
لقد غابت أذرع إيران فى هذه الحرب بعد أن استثمرت فيها لسنوات طويلة على حساب علاقتها بشعوب المنطقة، وعادت كدولة «شبه طبيعية» تعتمد أساسًا على قوتها الداخلية وتحالفاتها الخارجية. فيما يتعلق بوضعها الداخلى، فقد امتلك نظامها السياسى قدرة على البقاء والمناورة، وأحيانًا ضخ دماء جديدة، لكن وفق منظومة المرشد والولى الفقيه، كما أنها امتلكت قدرات عسكرية وعلمية كبيرة وقادرة على الصمود فى وجه الاعتداءات الإسرائيلية، ولكنها عانت من الاختراق الداخلى ومن التمسك بخطاب ومقولات دينية جامدة، ولم تقم بأى تجديد يذكر داخل بنية النظام، أما على المستوى الخارجى فقد بنت تحالفًا مع روسيا والصين تعمق أكثر مع الأولى، وحاولت مؤخرا تحسين علاقتها مع السعودية ودول الخليج دون أن تزيل بشكل كامل مخاوفهم من ممارسات إيرانية عديدة.
إن معضلة أذرع إيران أنها أعطتها أوراق قوة ناقصة، لأنها سحبت منها أوراقًا أخرى أكثر أهمية تتعلق بالدعم المجتمعى من قبل كل شعوب المنطقة، أو على الأقل عدم العداء لها.
ستبقى عودة إيران كدولة طبيعية فى المنطقة مطلبًا مشروعًا لكل الشعوب العربية، فالتخلى عن الأذرع يجب أن يكون عنوانًا لأى مشروع إيرانى مستقبلى، وأن يكون نشاطها النووى لأغراض سلمية، وأن تعتمد على التحالفات مع الدول الأخرى والمصالح المشتركة وكسب المجتمعات لا دعم الأذرع.