«إلّاك حيفا»

«إلّاك حيفا» !

«إلّاك حيفا» !

 العرب اليوم -

«إلّاك حيفا»

بقلم - حسن البطل

العنوان أعلاه كان «طاقية» لأحد أعمدتي الطازجة وقتها عن حيفا(ي). لا أرى غضاضة في استعارته لأسباب عدة: على حيط مطعم شعبي للمأكولات الفلسطينية في أم الشرايط، كتبوا أسماء مدن البلاد، وبخط أسمك مدن: حيفا ـ يافا ـ عكا. أهم مدن الساحل.
كانت لي زيارات «خطف الرجل» اليومية العديدة إلى أجمل المدن، بينها واحدة منها لا تُنسى، حيث استضافتنا «محامية الأرض» نائلة عطية في بيتها أعلى «حدبة» لسان الكرمل. وللبيت الجميل قصة: والدها اشترى بسعر أعلى دونمين بعد سقوط حيفا مما دفعه المستوطنون اليهود. بذا صار بيت نائلة، شفاها الله من مرضها الوبيل، أشبه ببقعة عربية مطوقة بإسكان يهودي!
ثمة سبب ثالث، وهو أنه في «تخاريب» صخور جبل الكرمل، توصلوا إلى اكتشاف ثالث حول عراقة الاستيطان البشري في الجبل وسفوحه. ما هو؟ من قبل كان أقدم تصنيع للجعة (البيرة) معروف عالمياً، يعود إلى 9500 سنة. الآن، بعد اكتشاف سرّ «التخاريب» في صخور جبل الكرمل، فقد كانت حيفا وكرملها سبقت ذلك قبل 15000 سنة.
حسب ظنّي أن علماء الاستيطان البشري قد لا يكتشفون مكاناً آخر أعرق. لماذا؟ حسبما قرأت ففي سفوح الجبل توصل الإنسان القديم إلى تدجين الشعير والقمح البري، ومن ثم زراعته وصناعة الخبز منه، وخبز القمح أشهر من خبز الذرة مثلاً.
ما نعرفه أن النساء هنّ من اخترعن الزراعة عن طريق التدجين والاستنباط، لأن الرجال كانوا يذهبون للصيد، والنساء كنّ في المغر لرعاية أطفالهن، ما عرفناه لاحقاً أنّ الرعاة في بلاد الغال (فرنسا) اكتشفوا طريقة أخرى في صناعة الجبن المعفّن (الأزرق) الذي صار من أطيب أنواع الجبن. أحد الرعاة كان تناول في مغارة رطبة ما جبنة وخبزاً.. حتى شبع وترك البقية، ولما عاد إليها في وقت آخر دفعته قرصة الجوع إلى تناول بعض الجبن القديم، فاستطابه، وصارت جبنة «روكفور» إحدى 300 نوع من الأجبان الفرنسية المطلوبة. جبنة الجنوب المتوسطي بيضاء والشمال الأوروبي صفراء.
في عودة إلى تدجين القمح والشعر البرّي، وهو نبتة خفيفة السمّية في الأصل، يبدو أن سفوح الكرمل، ومسقط رأسي طيرة الكرمل ـ طيرة حيفا في سطح الكرمل، أول حقول العالم في زراعة الشعير والقمح. لم تكن صناعة الجعة في بداياتها كالتي نعرفها اليوم، بل كانت في «تخاريب» الكرمل لزجة مثل الحساء.
الآن، صارت الجعة ثالث مشروب عالمي بعد الماء والشاي، وفي بلاد أخرى رابع مشروب بعد الماء والقهوة والشاي، حتى أن شرائع حمورابي في بلاد ما بين النهرين تتضمن تنظيم تجارة وبيع الجعة، التي صارت الجعة الألمانية أكثرها شهرة، بما فيها بيرة «بافارايا» التي تخلو من الكحول، وهي المطلوبة خاصة في الدول الإسلامية.
إلى اختراع تدجين نبتة الشعير والقمح، وأقدم الطرق لصناعة الجعة، هناك شيء أنثروبولوجي تمتاز به بلادنا العريقة ـ العتيقة، وخاصة في سفوح الكرمل.
حسبما قرأت، فإن أجناس الكائن البشري تطوّرت بالاصطفاء إلى سيادة الإنسان العاقل ـ المنتصب (هومو سابين) وانقراض تدريجي لإنسان النياندرتال. في غير مكان تنافس النوعان واصطرعا، لكن في فلسطين تعايشا بسلام، إلى أن ساد إنسان هومو سابين المنتصب على إنسان النياندرتال. لماذا؟
كان الثاني غير منتصب القامة، بل له قامة محنية أقل انحناء قليلاً من سلاح الصيد في قبائل أستراليا قبل الإنسان الأبيض، المعروف بـ «بوميرانغ»، ومن ثم؟
كان الإنسان المنتصب يستطيع أن يواقع نساء الإنسان النياندرتال ونساء جيشه على السواء، بينما لا يستطيع هذا إنسان النياندرتال الاّ مع نساء جنسه.. هكذا، صارت الغلبة لإنسان الهومو سابين بالتكاثر، حتى زال إنسان نياندرتال.
المهم في تدجين الشعير والقمح، ثم في صناعة الجعة، أنها سبقت في الأقدمية صيرورتها بلاد الديانات التوحيدية الثلاث، وأن الشعار الصهيوني عن البلاد: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض» كذبة وقحة أقرب إلى النكتة!
حيفاوي ولد قبل النكبة بعامين، ويزور البلاد بجنسية سويدية، استذكر قولاً: من يتحدث عن جمال مدينة فيينا أو مدينة باريس، يبدو أنه لم يزر مدينة حيفا، أجمل مدن المعمورة طرّاً. ليست أقدم من دمشق وحلب وأريحا، لكنها الأجمل.. خاصة في قلوب وعيون الفلسطينيين والمنكوبين منهم بخاصة!

 

arabstoday

GMT 15:19 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

لماذا كل هذه الوحشية؟

GMT 15:17 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

عن حماس وإسرائيل ... عن غزة و"الهدنة"

GMT 15:21 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

لجان الكونغرس تدين دونالد ترامب

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إلّاك حيفا» «إلّاك حيفا»



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 11:02 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله
 العرب اليوم - فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله

GMT 01:56 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع بمسؤولين سعوديين في الرياض

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 08:03 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يصعد بعد تراجع مخزونات الخام الأميركية اليوم الأربعاء

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 14:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تستعد لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:49 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يمتدح إيلون ماسك بعد خلاف طويل ويؤكد حبه الدائم له

GMT 07:03 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سريلانكا بين الجبال والبحار تجربة سياحية لا تُنسى

GMT 15:17 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

انفراجة دبلوماسية تسبق لقاء ترمب وشي جينبينغ في قمة آسيان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab