«الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي

«الزمزمية»، مصفاة المغربية.. وفروة رأسي !

«الزمزمية»، مصفاة المغربية.. وفروة رأسي !

 العرب اليوم -

«الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي

بقلم - حسن البطل

قد أُوصي إن أوصيت ـ بعد موتي بالتبرع بفروة رأسي إلى أقرع أو أصلع، شاباً كان أو كهلاً. أبي وإخوتي الذكور ماتوا دون أن يغزو الشيب أو الصلع رؤوسهم!
ها قد بدأت من الآخر، وسأبدأ من الأول: هذه «الزمزمية» في لغة أمّي، أو «المطرة» في لغة الشوام، أي وعاء ماء يتمنطق به العسكري أو فتى الكشافة، كما كانوا يمتنطقون بالهواتف «الغبية» في زنار سراويلهم وصاروا يحملونها في أيديهم أو في جيوب ستراتهم لما صارت كبيرة «وذكية»!
كنت، أوائل خمسينيات القرن المنصرم، ألهو في الخرائب، فعثرت على «زمزمية» من معدن، لعلها من مرميات جنود فيشي الفرنساويين، قبل أن يهزمهم جنود ديغول.
ما كان من أبي إلاّ وأخذ «الزمزمية» ـ المطرة إلى حدّاد، طرقها في كير نار من الفحم الحجري، وحولتها يدا أمّي إلى مصفاة لمعك البندورة وصناعة الرُّب منها، أو بالذات كغطاء طنجرة كثيرة الثقوب، تعلوها مغربية ـ مفتول، وتقلي 
تحتها في الطنجرة قطع من لحم الدجاج وحبات الحمص ومفروم البصل. سأعرف لاحقاً، أنها من الألومنيوم الأصلي الخفيف الذي لا يصدأ.
على «داير» المصفاة فوق الطنجرة، كانت أمّي تحكم البخار المتصاعد بالعجين، وكنت وأخي الصغير نقعي حول الطبخة إقعاء القطط. يستوي عجين داير المصفاة قبل أن تنضج كومة المغربية ـ المفتول.
كنّا نصدّق ادّعاء أمّي لتطعمنا داير العجين بأنه «يقوّي الشعر»، أو نلتهمه من قرصة الجوع في معدتنا.
في المثل الشعبي السائر: «القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، وأنا لا أُباهي الشباب الشابين والكهول الصلع بشعر أسود إلاّ من بياض خفيف في فوديّ أو سوالف فروة رأسي، وقد تخطّيتُ عامي السبعيني بأعوام قليلة.
اعرف أنها الوراثة، وأدّعي مازحاً أنني أصبغ شعري، أو أبلّله بـ «بول البعير»، ولا أدّعي كما كانت أمّي تدّعي أن عجين داير طنجرة المفتول ـ المغربية هو المسؤول عن سواد شعر فروة رأسي.
لديّ أمد حياة أقصاه عشر سنوات، وغالب ظني أنني سأحمل شعر فروة رأسي السوداء إلى قبري، قبل أن يغزوها الشيب!
لما سألني شيخ من طيرة فلسطين (هناك طيرات عدة أكبرها طيرة حيفا ـ مسقط رأسي، وأصغرها طيرة رام الله)، عن سواد شعري، قال نكتة هي غمزة لمّاحة تشير إلى علاقة الصلع والشيب المبكر بالفحولة الذكرية، أو هرمون الذكورة «تستوستيرون»! .. لكن خصوبة الذكورة تقل، ويزداد صلعهم وشيبهم!
أعود إلى الزمزمية ـ المطرة التي صارت مصفاة لإعداد طبخة المفتول ـ المغربية، فأهل المغرب يضيفون إليها خضراوات متنوعة ولحمة وافرة ويسمونها كسكسي ويحبها الفرنساويون كما لاحظت في باريس!
إنها واحدة من ثلاثة أشياء أودعتها أمّي الراحلة لديّ في خريف عمرها، أثناء زياراتها لي لما كنت في قبرص. عدت إلى البلاد بشيئين وتركت المصفاة بأسف كبير، مع سائر أدوات مطبخي القبرصي. لماذا؟ خشيتُ أن تشكّ بها آلات فحص جنود إسرائيل على الجسر، ويفتحون حقائب العودة إلى البلاد.
إلى الآن، على طاولة بيتي علبة خشبية شامية أصلية مطعمة ـ مزخرفة ـ منزّلة، كان اشتراها أبي عام 1956 من باب شرقي ـ دمشق، لتكون علبة حلويات وملبّس ضيافة العيدين الصغير والكبير. إنها ذات حجم مصغّر لطاولات لعبة الزهر الدمشقية البديعة، وهي مبطّنة في جوفها بقماش أحمر زاهي اللون. ربما أُورثها إلى ابنتي أو ابني في لندن.
الشيء الثالث، كان آخر تقاليد الوداع من أمّي إلي، وهو مسبحة عقيق يمانية قديمة الحبات وأصلية، اشتريتها من صنعاء، وعدد حبّاتها 100 حبة، وقسّمتها أمّي إلى ثلاث مسابح لي ولأخويّ الأكبر مني، اللذين ماتا قبل موتي، وماتا بشعر ضارب للسواد.
أطقطق حبّات مسبحة العقيق في بيتي، ولا أحملها خارجه حتى لا تضيع كما تضيع حبّات مسابح رخيصة، أو ولّاعات سكائر، أو أقلام.. وأحياناً شاحن لهذا الهاتف الذكي ـ الغبي.
لا أتملّى وجهي وشعر رأسي.. إلاّ عندما أغسل وجهي صباحاً ومساءً، أو عندما أجلس إلى كرسي الحلاق، الذي يصرّ على تطويل سالفي قليلاً، ليغطّي أعلى شحمة أذني الطويلة فوق العادة، ويدّعي أنّ الأذن الطويلة ذات شحمة الأذن الكبيرة من دلائل طول العمر.
فقط، عند حلّاقي يجفّف شعري المصفوف بـ»سيشوار» خفيف، كل حلقة بين شهر وشهر ونصف، فيحافظ هذا على بصيلات فروة شعري قوية فوق العادة.
.. ربما «داير العجين» ربما الوراثة.. وربما لم أملك أبداً مجفّف شعر.. وين البعير وبولها!
حسن البطل

 

arabstoday

GMT 15:19 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

لماذا كل هذه الوحشية؟

GMT 15:17 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

عن حماس وإسرائيل ... عن غزة و"الهدنة"

GMT 15:21 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

لجان الكونغرس تدين دونالد ترامب

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي «الزمزمية»، مصفاة المغربية وفروة رأسي



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab