الاستعمار بالطلب بين خلافتين

الاستعمار بالطلب بين "خلافتين"

الاستعمار بالطلب بين "خلافتين"

 العرب اليوم -

الاستعمار بالطلب بين خلافتين

طلال سلمان

لا يعرف المواطن العربي إذا ما كان عليه أن يفرح لهدم الحدود بين أنحاء «بلاد الشام»، والتي أقيمت في غفلة منه وبتجاوز لإرادته قبل مئة عام تقريباً، أم أن عليه أن يحزن، لأنه ـ هذه المرة أيضاً ـ مغيّب: لم يسأله أحد رأيه، بل ولم يهتم من يهدم الأسوار التي أقيمت بينه وبين شقيقه، بوجوده، وبمستقبل العلاقة بين هؤلاء الأشقاء الممنوعين من تجاوز «الحدود الدولية» التي أقيمت داخل البيت الواحد والعائلة أو العشيرة الواحدة.

على أنه يشتبه في أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الاستعمار الجديد يبرّر تدخله ـ الجوي!! ـ الذي يتكامل مع إنجازات «داعش» في هدم ما تمّ بناؤه في مدن بلاد العراق والشام وأنحائها، بأنه يتم تلبية لمناشدات دول المنطقة المهددة في وجودها: أي أنه يأتي محرراً لا محتلاً ومنقذاً بدافع الشهامة وليس طامعاً بخيرات المنطقة، وعنوانها النفط... ثم أنه يأتي بالطلب بل وبالرجاء والاستعطاف.

لكأن التاريخ يعيد نفسه: فقبل مئة عام تماماً أحاقت الهزيمة بالاحتلال التركي الذي دخل البلاد العربية في ثوب الخليفة ـ أمير المؤمنين، وجاء الاستعمار الغربي المنتصر (بريطانيا وفرنسا) فتقاسم قطباه هذه الأرض ومَن عليها، وفي حسابهما أن يوفرا المساحة والظروف المؤاتية لإقامة «دولة إسرائيل» التي كانت وعداً بريطانياً فصارت «دولة» بقرار دولي أجمع عليه الغرب الاستعماري مع الشرق الاشتراكي في ظل الهزيمة العربية. وكانت الذريعة أيضاً نجدة ملك الحجاز الذي نصّب نفسه خليفة وأميراً للمؤمنين.

الآن نحن أمام «خليفة» جديد، نصّب نفسه بعد «جهاد» طويل، وفي رعاية الإمبراطورية الأميركية، بدءاً بأفغانستان مروراً بباكستان وصولاً إلى الجزيرة العربية فالعراق والشام. ولقد انطلقت جحافله من تركيا أساساً، وأفادت من الحرب في سوريا وعليها وتهالك الوضع في العراق بالخلافات الداخلية التي حرّكت الفتنة، لتعزيز قوتها وقدراتها.

وها نحن نشهد تجاوز «الحدود» وإسقاطها... لكأنما مَن أقامها قبل مئة عام يهدمها (ولعل مسارعة بريطانيا وفرنسا إلى المشاركة في هذه الحرب تتضمن الحق بالشراكة في المغانم باعتبارهما يتحمّلان المسؤولية عن هذه الكيانات).

.. وبالتالي فإن مَن أقام «الحدود» و«الدول» في بلاد العراق والشام، يهدمها الآن، ويبيع أهلها الأوهام مستفيداً من أنهم كانوا ـ تاريخياً ـ ضدها، وأن «علامات الحدود» قد غُرست في لحومهم وفرّقت بين الشقيق والشقيق وجعلت العائلة الواحدة بأربع جنسيات أو يزيد! وفي سوريا والأردن والعراق وشبه الجزيرة العربية تتوزع القبيلة بل العشيرة الواحدة على «دول» مختلفة لكل منها «حدودها» القاطعة ـ المانعة كحد السيف.

وحتى لا يكون «التدخل» عدواناً أجنبياً، فقد هبّ أهل النخوة والشهامة من العرب العاربة إلى المشاركة فيه (كمشاركة الشريف حسين في الحرب العالمية الأولى)، وغطوا الطائرات المغيرة ـ بذريعة ضرب «داعش» ـ بكوفياتهم وألقابهم ذات الجلالة والسمو..

تمخر صواريخ «التدخل الإنقاذي» الجو فوق رؤوسنا فنحنيها بالخجل قبل الخوف من أن تصيبنا عن طريق الخطأ!
وهكذا تشارك دول الكرتون العربية في ضرب الخلافتين الأموية والعباسية في «بلاد العراق والشام»، ويخرج مسؤولوها متباهين بالإنجاز التاريخي.

كأنما هؤلاء المسؤولون نماذج فذة للوحدة والعدل والديموقراطية في الدول التي يحلمون: جاءت بهم صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ولآجال محددة، يعودون بعدها إلى ممارسة حياتهم الطبيعية «كمواطنين».

إن هذه الأنظمة جميعاً، التي ورثت الاستعمار القديم، تمهّد للاستعمار الجديد، وتبرّر له احتلاله (من الجو!! أي من دون ضحايا لهذا الاحتلال..) بكل النتائج المأساوية التي سيتحملها أبناء هذه الأرض في حاضرهم ومستقبلهم.

إن هذه الأنظمة جميعاً أضعف وأقل شأناً من أن تكون «شريكاً» أو «حليفاً».

على أن هذا لا يعني أنها ليست، أو لم تكن قبل حين، شريكاً لـ«داعش»، وكل ما في الأمر أنها تقدمت بطلب استعطاف إلى صاحب الإمرة الجديد، أي الأميركي، بأن يقبلها في خدمة استعماره (الجوي!) الجديد... ولتكن له الأرض بثرواتها، وبرعاياها الذين يخرجون على طاعة ولي الأمر يقرر في شأنهم ما يراه.

إنه الاستعمار بالطلب، بل بالرجاء، بل بذلّ السؤال... وإن هو كلّف كل ما تمّ بناؤه أو إعماره في الفترة الفاصلة بين استعمارين!

arabstoday

GMT 13:40 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

GMT 13:37 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

سوريا… عقدة النظام الإيراني!

GMT 13:36 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

GMT 13:33 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

‎خمس نقاط مهمة في كلمة السيسي بالدوحة

GMT 13:31 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

فيلم الماراثون ومخلب دوبلانتس!

GMT 13:30 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

مع الميادين مرة أخرى

GMT 05:00 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

مع تحيات حنظلة

GMT 04:58 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

هناك ما يمكن عمله ضد إسرائيل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعمار بالطلب بين خلافتين الاستعمار بالطلب بين خلافتين



هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 15:57 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

نيللي كريم تخوض السباق الدرامي الرمضاني 2026
 العرب اليوم - نيللي كريم تخوض السباق الدرامي الرمضاني 2026

GMT 04:58 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

هناك ما يمكن عمله ضد إسرائيل

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج​ اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 18:42 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab