نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

 العرب اليوم -

نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

غسان الإمام

قصف جوي لعشرة أيام مهد للهجوم البري يوم 17 يوليو (تموز). وكعادتها، نقلت إسرائيل مسرح العملية الميدانية إلى داخل الأرض العربية. الهدف الدائم هو إلحاق أكبر قدر من الخسائر، ليس بحماس، وإنما بالسكان المدنيين الأبرياء، ففي غزة 1.8 مليون إنسان، معظمهم أطفال، يحتشدون في 310 كيلومترات مربعة فقط.
لتحقيق نصر سريع على السكان المدنيين العزل من الحماية الجوية والبرية، استخدمت أحدث الطائرات الأميركية (إف 15 وإف 16)، من دون تقديم ضمانات إسرائيلية تشترطها أميركا رمزيا عند بيع طائراتها، بعدم استخدامها ضد مصالحها الحيوية في العالم.
بل حُمّلت طائرات خاصة بقنابل الأعماق المصنوعة أيضا أميركيا، زنة الواحدة طن واحد؛ بحيث ينهار تحت وطأتها مبنى من ثمانية طوابق (أدوار) على عشرات الأسر. وتم توقيت القصف المركز (120 قنبلة من قنابل الأعماق) في وقت الإفطار، لتكون الخسائر، والأحزان، ومرارة العجز، أكثر فداحة وقسوة.
أبيدت عشرات الأسر بكامل أفرادها بهذه الوحشية، ولا أدري ما إذا كان الوزير الأميركي، جون كيري، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد سألا بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، عن هذه الضمانات، عندما التقيا به مرارا لبحث تفاصيل تسوية التهدئة ووقف إطلاق النار، أم كانا مكتفيين بتعهداته الكاذبة سلفا، بعدم استخدام العنف ضد المدنيين.
ولأن النصر السريع لم يتحقق، بفضل المقاومة الجبارة للمقاتلين الفلسطينيين، كان لا بد من أن تطيل إسرائيل، كعادتها، أمد العملية الميدانية قبل وقف القتال. مسارعة «حماس» إلى رفض مبادرة السلام المصرية قبل أن ترفضها إسرائيل، أتاحت للدولة العبرية أن تشغل العالم بالزعم بأنها ستكون منهمكة، لعدة أيام، في هدم وتخريب شبكة الأنفاق الممتدة تحت الأرض إلى مقربة من المستوطنات.
وهكذا، جرى أيضا بالمدفعية الثقيلة والطيران هدم المباني التي أقيمت تحتها الأنفاق، على رؤوس السكان الذين رفضوا المغادرة، ثم بحجة السهو أو الخطأ، قصفت القوات الإسرائيلية السكان الذين غادروا ولجأوا إلى مدارس وكالة الإغاثة الدولية (الأونروا).
كتبت هذا الموضوع فيما كانت المساومة للتهدئة ووقف القتال جارية وفق حركة الوزير كيري بين عدة عواصم، ما زلت صادق الظن بصدق نيات كيري استنادا إلى ماضيه الطويل بصفته رئيسا للجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ، غير أن كيري يبدو خاضعا لتقليد أساسي اتبعته الدبلوماسية الأميركية في كل الحروب العربية/ الإسرائيلية: استخدام وطأة الضغط على العرب لوقف القتال، عندما تغدو القوات الإسرائيلية متوغلة في احتلالها الميداني للأرض العربية، في هذا المبدأ ينسى العرب أن إسرائيل لا تقدر على مواصلة الحرب، أي حرب، أكثر من أسابيع معدودة، ويبادرون إلى القبول بشروط تسوية مجحفة بحقوقهم، وكرامتهم، وقوتهم الميدانية.
في الحرب على غزة، يبدو أن «حماس» كانت منتبهة للعبة الدبلوماسية، فاشترطت أن يترافق وقف القتال مع فك الحصار عن غزة، وانسحاب القوات الغازية، غير أنها لو أطالت أمد المساومة، ولم ترفض المبادرة المصرية، لكانت إسرائيل هي التي رفضت، لأنها لم تكن بعد حققت الحسم في الميدان.
وهكذا أيضا، تعرضت «حماس» لاتهامات عربية ودولية، بأنها أهملت مصلحة المدنيين الفلسطينيين العاجلة في وقف القتال. فأطالت أمد الحرب أياما أخرى، واستغلت إسرائيل الفرصة لإنزال ضربات أكثر قسوة ووحشية بهؤلاء المدنيين.
في الانتفاضة الثورية العربية، سقطت استراتيجيات كثيرة: أخفق المشروع «الإخواني» في تدجين و«أسلمة» الليبرالية المصرية، والتونسية، والتركية. فشل المشروع الإيراني في فرض هيمنته على المشرق العربي بالتحالف مع الإسلام الشيعي والعلوي. وسقط المشروع القومي لاعتقاله الديمقراطية، واستخدامه القوة في نزاعات فصائله الناصرية، والبعثية، والمتمركسة، ثم في هزيمته أمام المشروع الصهيوني لغزو واستيطان الأرض الفلسطينية.
ليس بالضرورة أن يلتزم التكتيك بالاستراتيجية. الإسلام «الجهادي» العالمي في تبنيه استراتيجية استعادة الخلافة الدينية، يحاول فرض التزمت في تكتيك تطبيق الثوابت الدينية، ولا يدرك أن الخلافة التاريخية سقطت بسقوط السلطة من أيدي العرب.
حرب غزة حرب دينية شرسة أسقطت أيضا تكتيك المواجهة التقليدية الفلسطينية مع المشروع الديني الإسرائيلي الذي ورث المشروع الصهيوني. ظنت «حماس» أنها تستطيع بالتكتيك ركوب حصان السلطة مع «فتح» محمود عباس، فرضيت بتسليم الحكومة الوفاقية إدارة غزة، لتتفرغ للمضي قدما في تطبيق استراتيجية الإسلام «الجهادي» المناوئة للنظام العربي.
بين التكتيك المتناقض مع الاستراتيجية، كسبت «حماس» عداء النظام العربي التقليدي والجديد. «حماس» لا تريد أن تدرك ما أدركه الراحل عرفات والوارث عباس، بعد إخفاق صدام في حرب الكويت، بأن هناك فارقا بين منطق الدولة ومنطق الثورة. بين منطق النظام الحريص على بقائه وأمن مواطنيه، وبين منطق التنظيم «الجهادي» في رفضه الوطن، والحدود، وهوية الانتماء، وأمن وسلام المجتمع المدني.
اختلفت «حماس» مع أنظمة عربية وإقليمية كثيرة، كان «زعل» حماس مع دول خليجية سبب فتورها إزاء ما أصاب استراتيجيتها «الجهادية» في غزة. مع ذلك تثبت دول الخليج أنها يرتفع فوق النكاية. ها هي السعودية تبادر فورا إلى التبرع، لتأمين العلاج والأدوية لخمسة آلاف جريح فلسطيني، وها هي قطر التي حلت محل إيران في تمويل «حماس»، سوف تسدد، على «العيد»، رواتب بيروقراط الدولة الحماسية (40 ألف موظف).
إمكانية عودة «حماس» عن «جهاديتها» متوافرة. «حماس» لا تخل بقوانين العلاقات الدولية كما تفعل إسرائيل، وإيران، و«حزب الله». «حماس» لم تقم بعمليات عنف ضد إسرائيل أو أميركا خارج فلسطين المحتلة. في المقابل، تواصل أميركا سداد المنح لسلطة عباس (700 مليون دولار سنويا)، واعترفت بالحكومة الوفاقية، وكان عليها أن تضغط على إسرائيل للسماح بتمرير قوات عباس الأمنية إلى غزة.
مطلب «حماس» في رفع الحصار عن غزة فورا، مع التهدئة ووقف إطلاق النار، مطلب عادل، لكن مبدأ «الهدنة» مع إسرائيل الذي ابتكرته «الجهادية الحماسية» لا يرقى إلى شرعية معاهدات الصلح والسلام، في توفير السيادة، والاستقلال، والأمن المتبادل للمدنيين على الجانبين.
لا أزعم أن مفاوضة إسرائيل هي الطريق الأسلم والصحيح، فها هو عباس بعد عرفات يخفق في إقامة الدولة الفلسطينية، عن طريق اتفاقية أوسلو، فقد تمكن المفاوض الإسرائيلي من خداع عباس وعرفات بإمكانية تحقيق السلام، والاستقلال، والانسحاب، بالتقسيط والتدريج، فها هو الاستيطان ينهب بالقضم التدريجي القدس والضفة.
هل أبدو، إذن، رومانسيا حالما، عندما أدعو إلى اعتماد استراتيجية التنمية الاقتصادية والبشرية، كبديل لاستراتيجية عرفات وعباس التفاوضية التي أثبتت إخفاقها؟ وأيضا كبديل للاستراتيجية «الجهادية» في مبدأ القبول بالخسارة البشرية الفادحة في المدنيين، في حرب تحرير غير متكافئة بين «حماس» التي تملك الشجاعة وإسرائيل التي تملك الأسلحة المتفوقة؟
واضح أن الإسلام «الإخواني» و«الجهادي» لا يملكان مشروعا للتنمية البشرية والاقتصادية. لو أن قيادة غزة التي فرضت على شارون سحب إسرائيل من غزة (2005)، قبلت العروض العربية آنذاك للاستثمار في غزة، ربما لكانت غزة الآن لؤلؤة متوسطية تنافس في ثرائها وحيويتها دبي، وأبوظبي، والمنامة، كموقع متقدم للحضارة، والثقافة، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي لمليوني إنسان فلسطيني، ومؤهلة هي والضفة للحصول على الاستقلال والسيادة، على الرغم من عنجهية «الجيش الذي لا يقهر».

 

arabstoday

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق

GMT 09:52 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نحن وتاريخنا...

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ممرٌ ترابي في اتجاهين

GMT 09:47 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ــ آسيا... بين المواجهة والتفاوض

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

«حماس» تفاوض على استبعادها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو استراتيجية فلسطينية جديدة نحو استراتيجية فلسطينية جديدة



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 01:56 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع بمسؤولين سعوديين في الرياض

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 08:03 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يصعد بعد تراجع مخزونات الخام الأميركية اليوم الأربعاء

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 14:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تستعد لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:49 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يمتدح إيلون ماسك بعد خلاف طويل ويؤكد حبه الدائم له
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab