في كل مكان إلا هنا

في كل مكان إلا هنا

في كل مكان إلا هنا

 العرب اليوم -

في كل مكان إلا هنا

بقلم : مأمون فندي

لا شك أن العالم العربي يحتاج إلى إصلاح في السياسة والاقتصاد والثقافة، ولا شك أن في العالم العربي عقولاً قادرة على تقديم وصفة ناجعة للإصلاح، ولكن المشكلة أن عقولنا لا تناقش ما تعرفه وحميمي لديها، فعيوننا متعلقة بعورات غيرنا ومشكلاتهم، وفي هذا استعواض عن مناقشة مشكلاتنا ومواجهتها، وفي هذا أيضاً راحة لضمائرنا وإرضاء لغرورنا، نحلل ونقيّم السياسة والاقتصاد والثقافة في كل البلدان إلا بلداننا، ننشد الإصلاح في كل مكان إلا هنا.

في هذا إهدار لطاقة العقل من ناحية وترويج لنصف المعرفة من ناحية أخرى. فالمصري مثلاً مشغول بمشكلات الإصلاح في تركيا، والقطري مشغول بمصر، والجزائري مشغول بالمغرب يعلق ويكتب ويحلل وبالطبع لا يعرف الحقائق كلها وعليه يروّج لأنصاف حقائق، ويصل إلى نتائج لا تفيد أي طرف من الأطراف. فلماذا تنصرف عقولنا لتحليل أحوال غيرنا ونترك حالنا؟ الأنظمة المغلقة تنتج عقولاً مغلقة. فقط منفتحة على الآخر بدافع التشفي لا بدافع التواصل والمعرفة، ولترويج أنصاف الحقائق، وبذلك نخلق حالة من التشويش، ضوضاء بيضاء تمنحنا إحساساً بالمعرفة ولكنها لا تعدو كونها ضوضاء. ولكن يبقى السؤال: لماذا نشغل أنفسنا بأمور غيرنا ونترك حاجاتنا الملحّة؟ هناك شيء أقرب إلى عالم السينما منه إلى عالم الواقع وهي فكرة الـ(cathartic effect) وهي أنك تشاهد مشهداً فتجهش بالبكاء لأنه يمثل المعادل الموضوعي لحياتك، ولكنه من دون التكلفة الحقيقية في الحياة، شيء في عالم الخيال، شيء أقرب إلى الألعاب الإلكترونية في «البلاي ستيشن» تحس فيه بنشوة الانتصار والبطولة التي تنتهي بنهاية اللعبة، دونما تكلفة أو دماء تسيل، وهكذا العالم الافتراضي في الكتابة أيضاً من «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما. إحساس عظيم بعد كتابة البوست أو التويتة عن البعيد المغاير، شعور كاذب.
في أي مكان إلا هنا، هذا هو العقل النقدي في الأنظمة المغلقة يتدرب على النقد في الأماكن الآمنة، نقد بلا تكلفة أو قليل التكلفة.

ومع ذلك لو كانت هناك معرفة حقيقية، وليس نصف المعرفة، لكان تعدد النقد قادراً على إعطاء صورة كلية واضحة، فتعرف عن مصر من قطر أو تتعرف من قطر على مصر، ولكنّ عقلية التشفي لا تسمح بالمعرفة بل بالتشاتم والتكاذب.

في أي مكان إلا هنا، أصبحت سمة من سمات العقل العربي، وليس في هذا إزعاج، ولكن الإزعاج يأتي من الاقتناع بأن يلبس التكاذب ثوب المعرفة، فالعقل مثل الكومبيوتر يحلل ما لديه من معلومات (data) موجودة في ملفات التخزين، ولكن إذا كانت المعلومات ملوثة ومشوهة فأي تحليل سيأتي بنفس التلوث كنتيجة. تمرير هذا التلوث على أنه تحليل أو معلومات يأخذنا إلى الضلال لا إلى جادة الصواب.
في أي مكان إلا هنا، يضاعف من المشكلات ويعقّدها ولا يسهم في حلها. نحن مشتركون جميعاً في مؤامرة تمرير أنصاف الحقائق على أنها حقائق، متآمرون في عولمة الجهل والتجهيل. ولو كان هذا على المدى القصير لحُلّت المشكلة، ولكننا عندما نتحدث عن المدى البعيد فسنجد أنفسنا غارقين في متاهة من المعلومات الخاطئة والحلول الخاطئة.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في كل مكان إلا هنا في كل مكان إلا هنا



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا

GMT 02:41 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

هذه القصة المُحزنة

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة

GMT 00:46 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 19مايو / أيار 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab