بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين

بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين

بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين

 العرب اليوم -

بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين

بقلم: عبد الرحمن الراشد

«أوفكوم» هي هيئةُ تنظيمِ الإعلامِ البريطانية، وبعبارةٍ أدق المسؤولةُ عن الرّقابةِ والمحاسبة. قرَّرت رفعَ عددِ المراقبين من 460 إلى 550 موظفاً في أعقاب «انتفاضة العنصريين» مطلعَ هذا الشهر، التي هدَّدت السلمَ الاجتماعي. انتفاضة بُنيت على روايةٍ مكذوبةٍ ادعت أنَّ قاتلَ الأطفالِ الثلاثة في ساوثبورت مسلمٌ ومهاجر، لتعلنَ الشُّرطةُ لاحقاً عدمَ صحَّةِ المعلومات. وبعد الفحصِ تبيَّن أنَّ مصدرَ الإشاعة موقعٌ أجنبيٌّ تمَّ إغلاقه لاحقاً. وقامتْ حساباتٌ على «إكس» بتضخيمِه مع تدخُّلِ صاحبِ المنصَّةِ شخصياً محرضاً بحجَّةِ «حماية البيض».

على الأرجحِ ستتكرَّرُ هذه المواجهاتُ نتيجةَ التَّغذيةِ المتطرفةِ - وإنْ لم تقع حربٌ أهليةٌ كما زعمَ صاحبُ «إكس» - وستؤذِي السلم المحليَّ وستضرُّ بالاقتصاد وستقسّم البلادَ إلى مجاميعَ متنافرة.

لمعالجةِ المشكلة، سارعتِ السُّلطاتُ البريطانيةُ إلى تشديدِ الرقابةِ على وسائلِ الإعلام الاجتماعي، واعتقلتْ نحوَ ألفِ شخص شاركوا في مظاهرات العنف، وحاكمتهم على عجل.

الآن، ما المشتركاتُ بين بريطانيا ومعظمِ دولِ منطقتِنا؟ بريطانيا تشتكي من التحريضِ الخارجي، ومعظمُ دولِ المنطقة تشتكي منها!

بريطانيا تعيشُ مرحلةً جديدة... تبدّلاتٌ اجتماعيةٌ مثل زيادة عددِ المهاجرين، وتراجعِ القدراتِ الاقتصادية، وخروجِ التقنية عن «السيطرة السياسية» وكلها تتحدَّى مفاهيمَ الحرياتِ والحقوق المدنية.

أزمةُ البلادِ ليست فقط مع العنصريين، ولا مع أشخاصٍ بغيضين مثل مؤسسِ رابطةِ الدفاع الإنجليزية اليمينية المتطرفة تومي روبنسون، الذي أعيدَ من المطار لوجودِ دعوى ضدَّه، ومع هذا سافرَ لاحقاً. إنَّما تتحدَّى حكومةَ لندن أيضاً قوى متحالفةٌ ضدَّها في الداخل وفي الخارج ذاتُ نفوذٍ هائلٍ في الولاياتِ المتحدة، مثل شركاتِ التقنيةِ التي تسمحُ للمتطرفين باستخدامها وتشجعهم.

القضيةُ من شقين، الأول: مواجهةُ العنصريين، وهو أمرٌ لا خلافَ عليه، مثلما أنَّ من حقِّها ملاحقةَ المتطرفين الإسلاميين والهندوس. والسلطاتُ البريطانية محقَّةٌ في كلّ إجراءاتِها لحماية السلمِ المدني.

الشق الثاني: استضافةُ الجماعاتِ المعارضة ضد الدولِ الأخرى وتركُ الحبلِ على الغارب لها، لتقومَ بالتحريض والعمل على تثويرِ مجتمعاتِها.

ما جرى في الأسابيعِ القليلةِ الماضية وأربكَ السلطاتِ البريطانيةَ واضطرَّها لاتخاذِ إجراءاتٍ غيرِ مسبوقة لوقف الانزلاقِ نحو الفوضى، هو ما تخشاه الدولُ الأخرى. وما فعله ماسك وغيرُه بتسويقِ الأفكارِ والأكاذيبِ والرموز هو ما تفعله هذه الجماعاتُ المتطرفة، إسلاموية وغيرها، الموجودةُ على الترابِ البريطاني.

تقريباً، احتجاجاتُ حكومةِ ستارمر هي احتجاجات الحكوماتِ العربيةِ نفسُها على لندن، إنَّها تسمحُ لدعاةِ الكراهيةِ والفوضى والعنفِ ضد بلدانها.

هذه الحكوماتُ غاضبة، مثل بريطانيا، من التحريضِ وتهديد السلمِ المدني وتحدي سلطاتِها. فقد أصبحتْ لندن عاصمةَ العالمِ الأولى للجماعات المتطرفة الهاربةِ المعاديةِ لحكومات بلدانِها، باكستان وبنغلاديش ومصر ودولِ الخليج وغيرها.

لهذا تحتاجُ المملكةُ المتحدة إلى أن تعيدَ النظرَ في سياستِها القديمة، فهي لم تعدِ الإمبراطورية التي لا تغربُ عنها الشمس، ولا مسؤولة عن إدارةِ شؤون نصفِ العالم، وليست من عمالقةِ القوى العسكرية. فهل حقاً ترغبُ في تحمُّلِ أكلافِ هذه الجماعاتِ سياسياً واقتصادياً؟ حتى مبرراتُ القيمِ السياسيةِ والإنسانية تتناقض مع ما تدعو إليه هذه الجماعاتُ والأفرادُ اللاجئون. وكذلك السماح لهم بالتحريضِ باسم حريةِ التعبير لم يعد مقنعاً في وقتٍ تضعُ حكومةُ ستارمر في السّجن ألفَ شخص شاركوا في مظاهرات، وتشدّدُ الرقابةَ على الأصواتِ المعارضة لها على المنصات.

والمفارقة أنَّ بريطانيا كانت تؤوي الفارين من الدول العدوَّةِ لها مثل الاتحاد السوفياتي، والتي في فلكه، لكنَّها اليومَ تستضيف خصومَ حلفائِها وأصدقائِها، مثل باكستان والخليج ومصر. وفي الوقت نفسه لا توجد قواسمُ مشتركةٌ لبريطانيا مع هذه المعارضةِ ثقافياً وسياسياً. ولا ننسَى أنَّ فرنسا استضافت آيةَ اللهِ الخميني، وعندما وصلَ إلى طهران فعلَ كلَّ ما يتناقض مع مبادئِ ومصالحِ فرنسا، والنتيجة أربعون عاماً مظلمة.

الخطرُ الآخر، هذه الجماعاتُ المتطرفةُ تنشطُ بشكلٍ كبيرٍ في نشرِ رسائلِها بين الملايين من أفرادِ جالياتِها على الأرض البريطانية؟ والنتيجةُ تزايدُ عددِ المتطرفين البريطانيين مسلمين وهندوساً وغيرهم، وولَّد هذا الإرهابيين الذين درسوا وتبنوا أفكارَ هؤلاء المتطرفين، ثم سافروا وشاركوا «القاعدة» و«داعش» وميليشيات إيران في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها. أين هي مصالحُ بريطانيا العليا أو القيمُ التي تدعي أنَّها تدافعُ عنها حتى تبرّرَ هذه الفوضى الخطيرة واستهداف الدول الأخرى؟

الحكوماتُ التي تشتكي من سياسةِ استضافة المتطرفين ضدها تعد بريطانيا أكثرَ بلد في العالم، أكثرَ من الولايات المتحدة وفرنسا، يستضيف هذه الجماعاتِ المعارضةَ المتطرفةَ، في وقت تغضبُ حكومةُ بريطانيا من إيلون ماسك والمحرضين على أمنها واستقرارها.

 

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين بريطانيا بين العنصريين والمتطرفين



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab