بقلم : عبد اللطيف المناوي
ذكرت بالأمس أن ما حدث خلال الأيام الماضية من مشاهد دالة على الحالة السياسية فى مصر أولها مشهد مونيكا مجدى المرشحة البرلمانية التى أرادت أن تكون مختلفة عن التيار، وثانيها بيان الرئيس السيسى وما تبعه من إبطال نتائج الانتخابات فى بعض الدوائر، لا يمكن قراءته إلا باعتباره مؤشرا على ثلاثة أمور، أولها تغيّر المزاج الاجتماعى، إذ إن هناك شريحة واضحة، خاصة فى المدن الكبرى وبين الشباب والمتعلمين، تبحث عن تمثيل مختلف.
أشخاص يشبهون مونيكا فى اللغة والقيم والاهتمامات، لا مجرد أسماء تُفرَض عليها. وشخصيات أخرى بسيطة مثل الطبيب محمد زهران الذى يجوب شوارع المطرية على قدميه يتواصل معهم وابنه يحمل لافتة صغيره تحمل اسم والده. أو المدرس عماد عبد الغنى العدل الذى يدعمه أهالى قريته محلة دمنة فى محافظة الدقهلية ويحملونه على أعناقهم وهو يحمل كروت دعاية انتخابية بسيطة. الناس يبحثون عن شخصيات تشبههم لا تشبه من اعتادوا احتلال إرادتهم لعقود.
ثانى الأمور هو القلق الرسمى من صورة الانتخابات، فمجرد الحاجة لبيان رئاسى يتناول احتمال إعادة الانتخابات، يعنى أن السلطة تدرك حساسية ملف الشرعية الانتخابية، خاصة فى لحظة البحث عن استمرار واستقرار اقتصادى وسياسى مؤسسى فى ظرف داخلى وإقليمى ودولى شديد الحساسية.
أما ثالث الأمور فهو أن رسم المسارات السياسية وإدارة المجتمع، ما زال يحتاج إلى تدخلات من القيادة السياسية. وهذا يعطى إحساسًا بالحسم والفصل فى كثير من الأمور، ويظل مقبولًا حتى لو كان مناقضًا لما كان يجب اعتباره قواعد دستورية. وهنا سؤال أخير لابد أن يسأل فى المسألة الانتخابية، وهو إلى أين يمكن أن تذهب الأمور؟ الأكيد أنه لن يغير ترشح مرشحة واحدة أو عدة مرشحين- مهما كانت رمزية الفعل- شكل البرلمان المقبل، ولن يحسم موقف الرئيس فقط معركة الثقة فى العملية الانتخابية. لكن المشهدين معًا يفتحان نافذة مهمة، وهى أنه إذا استطاعت الدولة أن تتعامل مع النماذج الجديدة، مثل مونيكا وزهران وعماد وغيرهم، بوصفها إضافة طبيعية للحياة العامة لا تهديدا، فقد يكون ذلك بداية تدريجية لتوسيع هامش المشاركة ومنح المجتمع شعورا بأن السياسة ليست مساحة مغلقة بالكامل. وإذا تحوّل حديث الرئيس عن إمكانية إعادة الانتخابات إلى التزام عملى بمعايير أكثر صرامة فى النزاهة والشفافية، يمكن حينها أن يتحوّل الاستثناء إلى قاعدة جديدة.
أما إذا انتهت الضجة المثارة على إعادة الانتخابات فى بعض الدوائر، دون تطبيق حقيقى لمسألة النزاهة والشفافية فى بقية العملية الانتخابية بكل مراحلها التى انتهت بالفعل أو مازالت مستمرة، وكأن الإنصات لبيان الرئيس سوف يقتصر على بعض الاعادات البسيطة، فإن النتيجة ستكون مزيدًا من التآكل فى الثقة، ومزيدًا من الفجوة بين مجتمع يبحث عن تمثيل مختلف، ومؤسسات تفضل البقاء فى المنطقة الآمنة.
ما يجرى اليوم من معركة حول مرشحون غير تقليديين، وموقف رئاسى مفاجئ، ليس هامشًا عابرًا فى قصة الانتخابات، بل جزء من سؤال أكبر. وهو هل يمكن للسياسة فى مصر أن تتطور تدريجيًا نحو مساحة أوسع من التعدد والتمثيل الحقيقى، أم أن كل شىء سيبقى محكومًا بمنطق «السيطرة أولًا، ثم الباقى يأتى لاحقًا؟».
الإجابة لن تُحسم فى دورة انتخابية واحدة، لكنها بالتأكيد بدأت تُكتب الآن.