في تطوّر لافت يعكس ازدياد الحضور الإقليمي للمملكة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداد بلاده للتدخل المباشر من أجل إنهاء الأزمة السودانية، وذلك استجابة لطلب قدّمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته إلى واشنطن. ويأتي هذا التحرّك ليضع الملف السوداني في صدارة الاهتمام الدولي، ويثير تساؤلات حول دوافع الرياض في الدفع بهذا الاتجاه وتأثير ذلك على دورها الإقليمي.
ويرى مراقبون أن الزيارة التي قام بها ولي العهد إلى البيت الأبيض سبقتها مؤشرات تفيد بأن الملف السوداني سيكون أحد أبرز القضايا المطروحة، بهدف كسر حالة الجمود التي طبعت الوساطات السابقة. وأشار محللون إلى أن هذا المسعى يأتي على الرغم من تعدّد الجهود التي شاركت فيها قوى دولية وإقليمية دون تحقيق تقدّم ملموس خلال السنوات الأخيرة.
وتبرز عدة عوامل تقف وراء الاهتمام السعودي بالسودان، يأتي في مقدّمتها الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، الذي يشكّل محورًا أساسيًا في معادلات الأمن الإقليمي والتجارة الدولية. فاستقرار السودان، المطلّ على واحد من أهم الممرات البحرية العالمية، يعدّ عنصرًا حيويًا في حماية حركة الملاحة وضمان تدفق إمدادات الطاقة ومنع أي تغيّر قد يعيد رسم موازين النفوذ في المنطقة.
ويمتد تأثير البحر الأحمر ليشمل الجوانب الاقتصادية للمملكة، باعتباره ركيزة من ركائز المشاريع المرتبطة برؤية 2030، من الاستثمارات اللوجستية والصناعية إلى تطوير المناطق السياحية على الساحل الغربي وربط الموانئ السعودية بخطوط التجارة العالمية. كما يمنح هذا الموقع الرياض نافذة استراتيجية لتعزيز حضورها في القرن الإفريقي ودول الجوار.
ويذهب محللون سعوديون إلى أن استمرار الحرب في السودان يمثّل تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة الدولية، الأمر الذي يدفع المملكة إلى التعامل مع الأزمة باعتبارها أولوية لا تحتمل التأجيل. كما يشيرون إلى أن الرياض تسعى إلى ترسيخ صورتها كقوة دبلوماسية ذات شرعية دولية، قادرة على لعب دور الوسيط المحايد والمؤثّر في القضايا المعقّدة.
ويعكس طلب ولي العهد السعودي من الرئيس الأمريكي التدخل في السودان رغبة واضحة في رفع مستوى التعامل مع الأزمة من نطاق عمل الوزراء إلى مستوى القيادات العليا، بما يمنح الملف زخمًا سياسيًا أكبر ويزيد فرص إحراز تقدم فعلي على الأرض. ولا يشمل هذا التغيير أي تعديل في هيكلة اللجنة الرباعية المعنية بالملف، بل يهدف إلى نقل التحرك من الإطار التقليدي إلى دائرة صنع القرار المباشر.
ويؤكد محللون أن المملكة لا تسعى إلى إقصاء أي طرف من النقاش حول السودان، بل تعمل على تسريع الجهود القائمة عبر تفعيل خارطة الطريق المتفق عليها، والتي تتضمّن هدنة لثلاثة أشهر تليها عملية سياسية تمتد لتسعة أشهر، باعتبارها الخطة الأكثر قابلية للتنفيذ في المرحلة الحالية. ومن المتوقع أن يحظى هذا التحرك باهتمام أمريكي متزايد خلال الفترة المقبلة.
ويرى خبراء أن التحرك السعودي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الرؤية الأوسع لسياسة المملكة الخارجية، القائمة على تنويع الشراكات واعتماد دبلوماسية مرنة متعددة المسارات. فالرياض تعمل على تطوير نموذج جديد لإدارة الأزمات يقوم على الوساطة المتعدّدة الأطراف، بما يمكّنها من الاستفادة من ثقل القوى الكبرى دون الوقوع في تناقضات الصراعات الإقليمية.
ويشير هذا النهج إلى رغبة سعودية في الانتقال من موقع المتأثر بالأزمات إلى موقع صانع التوازن الإقليمي. ويشكّل الملف السوداني، بتعقيداته الأمنية والجيوسياسية، مساحة مناسبة لاختبار هذا الدور، خصوصًا في ظل التنسيق المتزايد مع واشنطن. كما يمنح المملكة فرصة لبناء تحالفات مرنة تستخدم فيها الانخراط الأمريكي لتعزيز نفوذها وترسيخ موقعها كوسيط رئيسي قادر على التأثير في مسارات الأزمات الإقليمية.
وعلى هذا الأساس، لا يُنظر إلى التحرّك السعودي تجاه السودان كخطوة منفصلة، بل كجزء من توجّه استراتيجي أعمق نحو صياغة دور إقليمي جديد يستند إلى دبلوماسية شبكية تتّسم بتعدد قنوات التواصل والانفتاح على مختلف الفاعلين، بما يعزز مكانة المملكة كجسر بين القوى الدولية والدول الإقليمية.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
حميدتي يقر بحدوث تجاوزات لقواته في الفاشر ويعلن تشكيل لجان للتحقيق في المجازر
قرقاش يُعلق على خسارة الجيش السوداني السيطرة على مدينة الفاشر
أرسل تعليقك