في عالم لا يتوقّف عن تغيّر اتجاهاته الفنية والموضوية، تبقى فيروز ثابتة كنجمة لا يخبو بريقها. فهي ليست مجرد صوت يعبر الزمن، بل حضور بصري له هويته الخاصة التي صاغتها بعناية عبر اختياراتها الأنيقة وإطلالاتها الشرقية الفريدة. استطاعت فيروز أن تجعل من أزيائها جزءًا من حكايتها الفنية، وأن تقدّم على المسرح صورة متكاملة تمتزج فيها الأصالة بالجمال والرصانة بالحداثة، لتصنع إرثًا بصريًا لا يقل قيمة عن إرثها الموسيقي العريق.
وتتفرّد السيدة فيروز بمكانة استثنائية في عالم الفن، فهي ليست فقط الصوت الخالد الذي عبر حدود البلدان والأجيال، بل أيضًا رمز للأناقة والهوية الثقافية اللبنانية. على مدى عقود طويلة من حضورها المسرحي، استطاعت أن توظّف الأزياء كجزء أساسي من هويتها الفنية، فتتحوّل كل إطلالة لها إلى عمل فني يحمل بصمة من التراث وروح الشرق. فمنذ بداياتها في أربعينات القرن الماضي، كان ذوقها يتقدّم بخطوات ثابتة نحو تشكيل أسلوب خاص، يمزج بين البساطة والرقي، وبين الأصالة واللمسات العصرية الراقية.
من بين الإطلالات التي لا تُنسى في مسيرة فيروز ظهورها عام 1979 بعباءة شرقية مضلّعة تتزيّن بخطوط ذهبية لامعة. جاء التصميم الفضفاض والحزام الرفيع حول الخصر ليعكس قدرة السيدة فيروز على الدمج بين الأناقة الشرقية والحضور المسرحي اللافت. وقد أضافت الإكسسوارات التي ارتدتها وقتها لمسة بوهيمية ناعمة أكملت هذا المظهر المتميز.
وفي التسعينيات، عادت فيروز لتؤكد ثبات ذوقها الفني حين ظهرت بفستان أسود مرصع بحبات الترتر اللامعة. كان الفستان مستوحى من العباءات التقليدية ويتألف من طبقتين، الأولى مرصعة بالخرز الذهبي وتبرز منطقة الخصر، والثانية مطرزة بأطراف لامعة تضيف فخامة إلى الإطلالة. واعتمدت السيدة فيروز على وضع الفولار على شعرها، وهو تفصيل يعكس الوقار والأناقة الهادئة التي عُرفت بها دائمًا.
وفي ظهور نادر عام 2020، خطفت فيروز الأنظار خلال لقائها برئيس فرنسا، حين ارتدت عباءة سوداء تحمل توقيعًا عالميًا لمصمم لبناني مرموق. جاء التطريز الذهبي على شكل نجوم متناثرة ليمنح العباءة هالة من السحر والرقي، فيما أضاف الوشاح الأسود الذي غطّى شعرها لمسة من البساطة التي لطالما ميّزت حضورها.
كما حمل عام 2003 واحدة من الإطلالات الشرقية الأيقونية للسيدة فيروز عندما ارتدت عباءة سوداء ذات طبقتين، جاءت الطبقة العلوية منها على شكل كاب مطرز بزخارف ذهبية دقيقة. جسّدت هذه الإطلالة تمسكها بالتراث وذوقها الأنثوي الرفيع، وخلدت صورتها كرمز للحشمة والجمال الراقي.
وفي العديد من حفلاتها، كان الشال المطرز جزءًا لا يتجزأ من هويتها البصرية، إذ ظهر معها في مهرجانات عدة، منها ظهورها بفستان لؤلؤي خلال حفلة أقيمت في دبي عام 2002، مع شال أنيق ينسدل على كتفيها ويبرز جمال تفاصيل الفستان. وفي تونس عام 1998، ارتدت فستانًا بنفسجيًا تراثيًا تتلألأ عليه الأحجار اللامعة، وتزينه لمسة الشال على الشعر التي تحولت إلى رمز من رموز شخصيتها الفنية.
ولطالما كانت أزياءها المسرحية جزءًا أساسياً من أعمالها، خصوصًا في المسرحيات التي حملت توقيع الرحابنة. ففي المسرحية الشهيرة "بترا"، ظهرت فيروز بأزياء ملكية مهيبة استوحت ألوانها وتصاميمها من التراث العربي القديم. اعتمدت الفساتين الطويلة المزينة بالخرز والأحزمة المطرزة لتجسيد دور الملكة التي تقود العمل، فكانت إطلالاتها جزءًا من الهوية البصرية المميزة للمسرحية.
إن خيارات فيروز للأزياء لم تكن يومًا مجرد انعكاس لذوق شخصي، بل كانت تعبيرًا عن اعتزازها بجذورها وبالأسلوب المشرقي الذي حافظت عليه رغم تغير الزمن. وقد تأثر أسلوبها بشكل ملحوظ بفكر الأخوين الرحباني اللذين حرصا على أن تعكس ملابسها جمال الهوية اللبنانية على المسرح، فظهرت في كل مرة بصورة تمثل الشرق بروحه الأصيلة.
على مدى سنوات، تحوّلت إطلالات فيروز إلى مرجع للمصممين العرب، الذين وجدوا فيها مصدر إلهام يعبّر عن الأناقة الهادئة والقوة الناعمة. وباتت أزياؤها جزءًا من الذاكرة الثقافية، يتناقلها الجمهور وتستعيدها الأجيال الجديدة كرمز للجمال والهوية.
لقد أثبتت فيروز أن الأناقة لا تحتاج إلى مبالغة، بل إلى حضور أصيل ينسجم مع الروح. ومع كل عباءة مطرزة وكل شال ينسدل بخفّة على كتفيها، صنعت "جارة القمر" إرثًا بصريًا يرافق إرثها الغنائي، لتبقى رمزًا للأناقة المتفردة التي تعبر الزمن وتلهم الأجيال.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
فيديو نادر وعفوي لـ فيروز وهي تضحك يتصدر اهتمام الجمهور
جمهور زياد الرحباني يتجمع أمام المستشفى لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة
أرسل تعليقك