بقلم : عبد اللطيف المناوي
تعيش منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر لحظات التوتر خطورة فى تاريخها الحديث، مع استمرار الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران. فمن جهة، تواصل إسرائيل شن غارات دقيقة ضد منشآت عسكرية وبنية تحتية داخل إيران، واغتيالات طالت شخصيات كبيرة فى الحرس الثورى وعلماء بارزين، مستخدمة أدواتها الاستخباراتية وعملاء الداخل. ومن جهة أخرى، ترد إيران بضربات صاروخية ومسيرات هجومية، بعضها تجاوز أنظمة دفاع القبة الحديدية الإسرائيلية ليصل إلى العمق الإسرائيلى، ويُلحق أضرارًا كبيرة بمنشآت وممتلكات إسرائيلية.
ورغم هذا التصعيد، حافظت الولايات المتحدة على موقف غير واضح، فهى تؤكد رفضها امتلاك إيران السلاح النووى، وتعلن دعمها الكامل لإسرائيل، لكنها فى الوقت نفسه تصر على أنها لا ترغب فى الانخراط المباشر فى الحرب.
لكنّ السؤال المُلحّ هنا: ماذا لو تغير الموقف وقررت أمريكا دخول الحرب؟
السيناريو الأول قد يتمثل فى تدخل عسكرى أمريكى محدود، على شكل غارات تستهدف المنشآت النووية الإيرانية الحساسة، وسيكون هذا التدخل بذريعة أن إسرائيل فشلت فى إيقاف البرنامج النووى الإيرانى بشكل كامل.. لكن هذا السيناريو ربما يُقابَل حتمًا برد عسكرى واسع من إيران ضد القواعد الأمريكية فى العراق والخليج، وربما يُقابَل بالوصول إلى النقطة التى تريدها واشنطن، وربما طهران بعد فقدانها قدرات عسكرية وقيادية كبيرة، وبالتالى الذهاب للمفاوضات مع أقل خسائر.
السيناريو الثانى قد يتمثل فى دخول أمريكى واسع النطاق، ليس فقط لضرب إيران، بل لحماية مصالحها النفطية والعسكرية. فى هذا السيناريو، ستنخرط البحرية الأمريكية، وسلاح الجو، وربما قوات برية، وهنا من الممكن أن تتحول إيران إلى عراق جديد.
السيناريو الأقل كلفة للولايات المتحدة هو أن تستمر فى دعم إسرائيل وحلفاءها بشكل غير مباشر، عبر الإمداد بالأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، وأنظمة الدفاع الجوى. وقد يشمل هذا استخدام قواعدها فى الخليج دون تدخل مباشر بالقوات. ورغم محدودية هذا التدخل، فإنه لا يضمن بقاء إيران فى حالة ضبط للنفس.
على الجانب الآخر، فإن أشد المتفائلين فى طهران يؤكدون أن دخول واشنطن على خط المواجهة مُكلف لإدارة ترامب، فإن إيران تملك ترسانة متطورة من الصواريخ والمسيرات، وشبكة واسعة من الميليشيات (المرهقة بفعل الحرب الأخيرة)، لذا فإنها تراهن على أن اندلاع حرب أمريكية إيرانية قد يُحوّل الخليج إلى ساحة اشتعال واسعة، ويهدد الاقتصاد العالمى عبر ضرب حركة النفط.
نعم، دخول أمريكا الحرب ليس مستبعدًا، لكنه سيكون مَحكومًا بعنصر الضرورة. وحتى اللحظة، تراهن واشنطن على الردع والنصح والتهديد، ولكن دون دخول مباشر. غير أن خطأً واحدًا فى الحسابات من أى طرف قد يشعل حربًا إقليمية شاملة يدفع ثمنها الآمنون فى دول المنطقة.