بقلم : عبد اللطيف المناوي
ذكرنا أن زيارة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى للقاهرة منذ يومين مهمة لتأسيس علاقات متوازنة، ولكن حذرة، مع الجانب الإيرانى. وأرى أن تبادل المصالح قد يكون مدخلًا بارزًا فى هذا الأمر، خصوصًا فى ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران من قبل الغرب، حيث تبحث إيران باهتمام عن أسواق وشركاء جدد.
وفى هذا السياق، تبرز مصر كخيار مغرٍ بسبب موقعها الاستراتيجى كبوابة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فضلًا عن بنيتها التحتية القوية فى مجالات النقل والطاقة. من جانب آخر، ترى القاهرة فى انفتاح محدود تجاه طهران فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، شرط ألا يتعارض ذلك مع مصالحها مع الشركاء التقليديين.
وتُطرح أيضًا عدة مجالات لتعزيز التعاون الثنائى بين البلدين، بدءًا من قطاع الطاقة والنفط. فقد تكون مصر معبرًا للنفط الإيرانى عبر العراق وسوريا حال تم التوصل إلى اتفاق يخفف من وطأة العقوبات الغربية على طهران. وتبرز أيضًا قطاعات أخرى مثل السياحة، البتروكيماويات، والخدمات اللوجستية كمجالات ذات أولوية.
فى هذا السياق، بدأت بعض الدوائر الاقتصادية المصرية بدراسة فرص لتوسيع التجارة غير الرسمية مع السوق الإيرانية، مع استعداد لتحويل هذه القنوات إلى قنوات رسمية إذا توافرت الظروف السياسية الملائمة.
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، من الواضح أن القاهرة لا تسعى إلى الاندفاع نحو العلاقات الكاملة والسريعة مع إيران.. إذ إن حسابات السياسة الخارجية المصرية تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات العلاقة مع دول كبرى ودول الخليج، وهى علاقات تمثل عماد الأمن القومى والاقتصاد المصرى.
تدرك القاهرة جيدًا أن أى تقارب مع طهران لابد أن يتم بحذر، وأن يستند إلى مفهوم «الواقعية الاستراتيجية»؛ أى بناء علاقة مبنية على المصالح المتبادلة دون انخراط عاطفى أو استقطاب سياسى. كما أن مصر حريصة على الحفاظ على توازن دقيق فى علاقاتها الدولية، ولا ترغب فى إثارة مخاوف أو حساسيات إقليمية يمكن أن تؤثر سلبًا على مكاسبها الاقتصادية والسياسية.
السياسة المصرية تجاه طهران تعكس رسالة أوسع للمنطقة مفادها أن القاهرة تسعى إلى استعادة دورها كقوة مستقلة ومؤثرة. وهى سياسة تتماشى مع تحولات عالمية أوسع، تتجه فيها القوى الإقليمية نحو تعزيز استقلالها الاستراتيجى فى ظل تراجع الالتزام الأمريكى التقليدى تجاه أمن المنطقة.
من المرجح أن تستمر القاهرة وطهران فى اختبار حدود هذا التقارب بشكل تدريجى ومدروس. وفى حال نجاح هذه المحاولات، قد نشهد فى الأشهر المقبلة خطوات ملموسة، مثل رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى، أو حتى تبادل زيارات رفيعة المستوى.. إلا أن أى تطور من هذا النوع سيبقى مشروطًا بمدى قدرة الطرفين على تجاوز إرث القطيعة، وبناء علاقات تقوم على الشفافية، والاحترام المتبادل، وتغليب المصالح الوطنية على الأيديولوجيا.