بقلم : عبد اللطيف المناوي
لم يكن الهجوم الإسرائيلى على الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ومؤسسة الأزهر الشريف، مجرد رد فعل على تصريح عابر، بل جاء فى سياق ممنهج ومتكرر، يعكس إدراكًا من دولة الاحتلال الإسرائيلى لدور الأزهر وتأثيره فى وجدان الشعوب الإسلامية والعربية، وقدرته على صياغة الوعى الجماهيرى تجاه القضايا العادلة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع تفاقم الجرائم الإسرائيلية ضد غزة، تصاعدت مواقف الأزهر لتصل إلى ذروتها فى بيانات إدانة واضحة للمجازر وسياسات التجويع التى تنتهجها إسرائيل بحق المدنيين. الشيخ الطيب لم يلجأ إلى لغة دبلوماسية ناعمة، بل سمّى الأمور بمسمياتها: «حكومة إرهاب ترتكب جرائم إبادة»، وهو ما وصفه الاحتلال بأنه «تحريض مؤسسى من داخل مصر».
صحيفة «معاريف» الإسرائيلية لم تكتفِ بالانتقاد، بل وصفت الأزهر بأنه «رأس الأفعى» وطالبت بـ«قطع هذا الرأس»!.
لعل الأخطر بالنسبة لإسرائيل هو أن خطاب الأزهر لا يحمل فقط البُعد الدينى، بل يدمج بين الأخلاق والدين والسياسة والكرامة الإنسانية، وهو ما يجعله خطًّا يصعب مواجهته أو تشويهه، خاصة فى ظل انكشاف جرائم الاحتلال التى باتت توثقها المؤسسات الحقوقية الدولية يومًا بعد يوم.
إسرائيل تخوض حربًا على وعى الشعوب، وعلى سرديات التاريخ والحق والعدالة. ومنذ سنوات، تسعى جاهدة إلى فرض روايتها على العالم العربى والإسلامى، مستغلةً انقسام النخب وتباين الخطابات.. لكن الأزهر، بمكانته التاريخية ومصداقيته الممتدة، شكّل عائقًا ثابتًا أمام تمرير هذه الرواية.
ما لا تريد إسرائيل الاعتراف به هو أن الأزهر أحد أبرز روافد القوة الناعمة لمصر. قوته ليست فى خطبه فقط، بل فى امتداده إلى ملايين المسلمين حول العالم، فى آسيا وإفريقيا وأوروبا، حيث يحظى باحترام نادر لمؤسسة دينية وسط عالم مشتّت فى المرجعيات.
أما المؤسف، فإن الهجوم لم يأتِ فقط من إسرائيل، بل تزامن أحيانًا مع انتقادات داخلية تطال المؤسسة الأزهرية، يروّج لها من لا يدركون أن الأزهر أحد أهم أعمدة القوة الناعمة للدولة المصرية. والرد هنا لا يحتاج إلى تبرير بقدر ما يحتاج إلى تذكير.
الشيخ الطيب لم يكن يومًا رجل دين منعزلًا عن قضايا وطنه. هو رجل دولة حقيقى، عُرف عنه الوقوف ضد تغوّل جماعة الإخوان على المؤسسة الدينية، ورفض الامتيازات المالية، ورفض الهدايا، ودعم المحتاجين، بغضّ النظر عن دينهم، كما فعل حين تبرع بجائزته لعلاج أطفال الصعيد. هو ابن القرنة، ابن الصعيد، ابن مصر التى تعرف التسامح والمروءة والعدالة. لم يغيّره المنصب، ولم يزده إلا تواضعًا.
الهجوم الإسرائيلى شهادة تأثير. والشتائم وسام شرف. والتاريخ كفيل بأن يُسجّل أن الأزهر، فى أصعب لحظات الأمة، لم يصمت. بل قال كلمته: «لا للمجازر، لا للتجويع، لا للاحتلال».
من هنا، نستطيع أن نفهم لماذا يرتعب الاحتلال من صوت هذا الشيخ العابر للحدود، والضارب بجذوره فى تراب مصر.