لؤلؤة في كمبردج

لؤلؤة في كمبردج

لؤلؤة في كمبردج

 العرب اليوم -

لؤلؤة في كمبردج

بقلم : إنعام كجه جي

لا يدري المرءُ هل يضحكُ أم يتأسَّى وهو يطالعُ كتاب «حكايات الزمن الضائع» للدكتور عبد الواحد لؤلؤة. فهذا الكتاب الصادر عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، يجمع بعضاً من أهوالِ ومساخرِ مَا كانَ يجري في الجامعاتِ العراقية تحتَ رقابةِ حزبٍ واحد. هذا لا يعني أنَّ الأحوالَ أحسنُ حالياً. اللعنةُ مستمرة.

الكتابُ سلسلةُ محاوراتٍ بين رجلٍ حسنِ الإصغاء، وصاحبهِ المدعو أبو غايب، يحكي له فيها قصصاً حقيقيةً تشبه الخيال. هي الموازينُ حين تختلُّ لمصلحةٍ أطرافٍ متنفذة. كلٌّ يخاف على حياتِه ورزقِ عائلته. يسكت ويوافق ويطأطئ الرأس. والويلُ لمن يرفعُه ويعترضُ. وهؤلاء ليسوا من هوامشِ المجتمع، بل أساتذةُ الجامعات وقادةُ الفكر ومربُّو الأجيال.

لعلَّ من المفيد التذكير بأنَّ الدكتور لؤلؤة كاتبٌ وناقدٌ ومترجمٌ وأوَّلُ عراقيّ يحصلُ على الدكتوراه في الأدبِ الإنجليزي. ألقَى محاضراتِه في أرقَى الجامعاتِ العربية والغربية، وحازَ جوائزَ رفيعةً. وهو اليومَ شيخٌ في الرابعة والتسعين، يقيم في مدينةِ كمبردج البريطانية، ويواصلُ الانكبابَ على استكمال «موسوعة المصطلح النقدي» التي أنجزَ منها حتى الآنَ 21 جزءاً.

بينِي وبينَ الدكتور لؤلؤة مراسلاتٌ متقطعة. يكتبُ لي أنَّه يعاني من ضمورٍ شديدٍ في المفاصل. يواصلُ الكتابةَ في الصحف، أحياناً، لأنَّ مرتبَه التقاعديَّ أقلُّ من 340 جنيهاً إسترلينياً، بعد 25 سنةً خدمةً في جامعة بغداد. يضيفُ: «يعني أقل شوية من راتب الفرّاش في مكتب النائبة العراقية فلانة. إنَّ عددَ كتبي بين تأليف وترجمة 77 كتاباً... لكن شنو الفايدة؟!». كانَ يكتب رسائلَه بحجم 24 ثم 36. عينانِ كليلتانِ تطالعانِ ولا تتوقفانِ عن العطاء.

في عالمنا العربي، وحدَه، يؤلّفُ الكاتبُ 77 كتاباً ولا يعيشُ من عائداتِها. يخبرني أنَّه يدفعُ من راتبِه الهزيلِ هذا مبلغاً محدداً لناشره مساهمةً في نشر كل كتاب. أحياناً بالأقساط مثلَ شراءِ غسالةِ ثياب. ذلك أنَّ الناشر «قبضاي» لا «دفعاي».

في واحدةٍ من قصصِ الكتاب، يحكي أبو غايب عن أستاذٍ للحقوق كانَ من أوائل الحاصلين على الدكتوراه من السوربون. تفاجأ بطالبٍ يلاحقُه في الكلية ويهدّدُه لأنَّه لم يضعْ له درجةً في الامتحان الأخير. كانَ الطالبُ قد قدَّمَ ورقةً فارغةً بحجة أنَّه مكلّفٌ بمهمَّاتٍ حزبية ولا وقتَ له للدراسة. وبعد أسبوعٍ ظهرَ خبرٌ في أسفل الصفحةِ الأولى من مجلةٍ تنشر أخبارَ الفنانات، يفيد بأنَّ الجهاتِ العليا سحبت ترشيحَ الأستاذ لمنصبِ سفيرٍ في لندن، وإلغاء شهادتِه العلمية، وفصله من الوظيفة، وتنزيل راتبِه التقاعدي.

هل قصصُ الكتاب حقيقية؟ يجيب بأنَّها حقيقية. ينقصُها فقط ما عايشه المؤلفُ من مفارقات عندما كلَّفه «أحدُ حَمَلة النجوم على الأكتاف» بالتَّرجمة الفوريةِ لوقائع محكمةِ الشعب الشهيرة بمحاكماتِ المهداوي، أواسطَ القرن الماضي. يقول إنَّ هذه الذكريات هي كلُّ ما بقي عند «ختيار ثاكل»، يتلهَّى بها للانشغال قليلاً عمّا حدثَ له، فالوحدةُ قاتلة، واستيعابُ ما حدثَ أكبرُ من طاقةِ العقل. أمَّا تعاطي أفيونِ التَّرجمة فلا يفيدُ إلا قليلاً، لأنَّه يُشبه «التعطيلَ المقصودَ لعدم التَّصديق»، بعبارةِ الشَّاعر الإنجليزي كيتس.

arabstoday

GMT 08:47 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

لا فوضى في النضال

GMT 08:43 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

كيف للجنوب اليمني أن ينفصل؟

GMT 08:14 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

وقت الحِكمة اليمانية

GMT 08:08 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

القضايا العربيّة ونهاية العلاج الأوحد المزعوم

GMT 08:06 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

«أرض العرب» في «عصر نتنياهو»!

GMT 08:01 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

العام 2025... رغم أهواله لكنَّه أبو الذكاء الاصطناعي

GMT 07:56 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

حكومة ستارمر والسلطة الرابعة

GMT 07:54 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

الهزيمة حين تنتحل النصر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لؤلؤة في كمبردج لؤلؤة في كمبردج



نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 07:44 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال
 العرب اليوم - الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال

GMT 07:55 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

اشتباك مسلح بين الأمن ودواعش غرب تركيا وإصابة سبعة شرطيين
 العرب اليوم - اشتباك مسلح بين الأمن ودواعش غرب تركيا وإصابة سبعة شرطيين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab