أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش

أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش؟

أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش؟

 العرب اليوم -

أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش

بقلم:جمعة بوكليب

الدهشة والاشمئزاز هما ما يثيرهما الجدال المزمن بشأن نزع سلاح المقاومات في غزة ولبنان، كأنَّ الاحتفاظ به يحمل أي وعدٍ بتحقيق ما عجزت عنه عقود من تجربة الميليشيات.

ولم يحُل دون هذا العناد بشأن وهم السلاح، الدمار العملاق، والخسائر البشرية التي تفوق أي مكتسبات متخيَّلة. والحال: بات السؤال الجوهري ليس ما إذا كان نزع السلاح ممكناً؛ بل: لماذا نستمر في التعامل معه كخيار قابل للتأجيل، بينما البدائل المتاحة تتضاءل مع كل جولة عنف جديدة؟

أحال «طوفان الأقصى»، بوصفه نتيجة موضوعية لجنون السلاح، غزة، إلى مساحة رملية تحتضن 55 مليون طن من الأنقاض، تحتاج إلى عامين لإزالتها، بينما تشير سيناريوهات أكثر تشاؤماً إلى 10 سنوات، بتكلفة 50 مليار دولار كحد أدنى، بينما تتطلب إعادة إعمار القطاع 70 مليار دولار، وفق تقديرات الأمم المتحدة، هذا إلى جانب الخسائر البشرية التي تراوحت بين 40 و60 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمعوقين والأيتام.

وفوق كل ذلك، يصر السلاح وأهله على أنه الرادع والحامي، منكرين أنه السبب الأول في استمرار المأساة وتأخير إعادة الإعمار، والعائق الفعلي أمام أي فرصة للخروج من الأزمة، بعد أن بات العالم يربط بين نزعه وبين فتح صفحة جديدة في حياة الفلسطينيين.

في لبنان، المعطوب اقتصادياً بفعل أعنف انهيار اقتصادي في العالم منذ 150 عاماً، تقاس تكاليف حرب «إسناد غزة» بأضعاف أضعاف بياناتها الفعلية. وتقاس أكثر، بإلحاح السؤال الذي أعيد طرحه على اللبنانيين بشأن استحالة نهوض بلدهم، ما لم تُحَل مشكلة سلاح ميليشيا «حزب الله»، حلاً ينهي تفردها بقرار الحرب، وقرار جر البلد إلى صراعات لا صلة لها بمصالح أغلبية أبنائه.

ومع إلحاح اللغو الدعائي الشائع في غزة وفي لبنان، عند أهل السلاح، على أن هذا الأخير، وحفظه، هو بمثابة حفظ «خيار المقاومة»، تكشف الوجهة العريضة لخطاب «حماس» و«حزب الله»، عن مفارقة كبرى، مفادها أن هذا السلاح انتقل عندهما من كونه يُمثِّل «خياراً وجودياً» غير محدودٍ بزمن، إلى مجرد «ورقة مساومة» ذات ثمن سياسي وجغرافي مُحدَّد. فبات «حزب الله» الذي كان سلاحه بمثابة وجوده، يشترط الانسحاب من مزارع شبعا والنقاط المحتلة مقابل نزعه، في حين تطالب «حماس» بالدولة الكاملة السيادة كمقابل لتسليم ترسانتها.

تحوُّل كهذا لا يكتفي بمناقضة الأساس الآيديولوجي لـ«المقاومة المفتوحة»، المبهرة في قدرتها على التنقيب عن المظالم وربطها بآفاق أبدية للصراع؛ بل يؤشِّر أيضاً، إلى أن كلاً من الفصيلين يستشعر عمق الهزيمة الاستراتيجية التي أصابته وأصابت خياراته؛ حيث فاقت تكلفة السلاح كـ«عبء استراتيجي» جدواه الآيديولوجية، وأصبح بقاؤهما السياسي مرهوناً بـ«صكوك تخلٍّ» تُوقَّع على طاولة الوسطاء.

وتظل الوجهة الأكثر قتامة لهذا الإقرار الضمني بالهزيمة، والمدفوع بغريزة البقاء القصوى، لدى «حزب الله» و«حماس»، المبالغة في تجيير قوة هذا السلاح لضبط الدواخل الفلسطينية واللبنانية والاستقواء عليها. فعمليات التقتيل الوحشية في غزة بهدف إعادة تأسيس الهيمنة الأمنية والسياسية على الفلسطينيين، تتوازى مع ما تشهده الساحة اللبنانية من إعادة وقحة لتأسيس علاقات الهيمنة والبلطجة عبر بقايا السلاح، كما تشير أكثر من واقعة استعراضية مؤخراً.

والحال: يدفع الناس ثمن مغامرات السلاح، ويطلب منهم -فوق ذلك- تسديد فواتير إنكار الهزيمة من كرامتهم وأمنهم وسوية عقولهم؛ إذ إن المطلوب إنكاره واضح وضوح الشمس.

يمهد ما سبق وصفه للاعتقاد بتهاوي الادعاء، بأن «حفظ السلاح هو حفظ لحقوق الشعوب»؛ إذ بات نزع السلاح هو الشرط لخدمة تلك الحقوق فعلياً. فبإزاء أن هذه الترسانات العسكرية المهزومة لم تعد تخدم إلا مصالح الفصائل نفسها وميزان بقائها الداخلي، أصبحت حقوق الفلسطينيين واللبنانيين في التعليم، والاقتصاد، والأمن، والسيادة الحقيقية، مُعلَّقة بشرط وحيد ومُلِحٍّ: نزع هذا السلاح أولاً، وإعادته إلى سيادة الدولة؛ حيث بقايا دولة في لبنان، وإلى القرار الوطني الجامع الذي لا بد من إعادة ترميمه في فلسطين.

صحيح أن القبول بنزع السلاح، أو تحييده، يُرضي جانباً من شروط إسرائيل، ويُحقق مطالبها الأمنية، ولكنه -في جوهره- يُحقِّق وبشكل أوسع شروطاً ملحة لمستقبل الفلسطينيين واللبنانيين. فما يفيد أغلبية الفلسطينيين واللبنانيين على المدى الطويل، حتى لو أفاد الخصم جزئياً، هو الخيار الأكثر أخلاقية، في مقابل تمسك أقلية موهومة بتدمير ذاتها والآخرين، من أجل إيذاء جزئي للخصم فقط.

لقد درجت فاتورة الدم والخراب التي يدفعها الناس في غزة ولبنان، أن تكون أكبر بما لا يقاس من أي مكاسب تكتيكية تُسجَّل ضد إسرائيل، على نحو ينبغي أن يذكِّرنا ببداهة لا بد منها، وهي أن مكاسب بناء الدولة والسلام الداخلي هي المكتسبات التي تتضاءل أمامها خسائر الخصم ومكاسبه في آن.

 

 

arabstoday

GMT 06:45 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

تزوير التأريخ العبري بسرقة الزيتون الرومي

GMT 06:37 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الإهانة الكبرى

GMT 06:35 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

حفل زفاف شامخ

GMT 06:33 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

«ثورة 17 تشرين» بعد 6 سنوات!

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ودولة الملخص التنفيذي

GMT 06:22 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا... نهب متواصل وتحذير أممي

GMT 06:20 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

واخشيتاه من الذكاء الاصطناعي

GMT 05:08 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السر المُذاع في المغرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش أيُعقَل أن نزعَ السلاح ما زال مادة للنقاش



القفازات الطويلة تجمع بين النجمات في إطلالات كلاسيكية عصرية

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 06:43 2025 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تُنتخب كأول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان
 العرب اليوم - ساناي تاكايتشي تُنتخب كأول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان

GMT 06:24 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

دليلكِ لتجربة شتوية لا تُنسى في نيويورك

GMT 03:21 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

4 تحاليل ضرورية لحماية صحتك وحياتك بعد سن الأربعين

GMT 06:29 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

كوشنر يصف دمار غزة كأن قنبلة نووية انفجرت هناك

GMT 02:04 2025 الأحد ,19 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب يعلن رسوما جمركية جديدة على الشاحنات والحافلات

GMT 06:01 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

خدع في الطلاء والتزيين تجعل الأسقف المنخفضة تبدو أعلى

GMT 05:54 2025 الأحد ,19 تشرين الأول / أكتوبر

ماذا بعد ملتقى شرم الشيخ؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab