لبنان المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

 العرب اليوم -

لبنان المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

بقلم:سام منسى

تبدو المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، سواء المباشرة منها أو غير المباشرة، أكثر من مجرد نقاش حول احتلال ونقاط نزاع حدودية. فهي مرآة للأزمة اللبنانية: أزمة القرار الوطني المقيد، والسيادة المنقوصة، والازدواجية التي يعيشها البلد بين منطقي الدولة واللادولة. فكلما طُرح موضوع التفاوض، يعود السؤال المركزي: مَن يقرر باسم لبنان؟ ومَن يملك صلاحية القبول أو الرفض؟

يعاني لبنان منذ عقود عقدة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وهي ليست مجرد تفصيل دبلوماسي بل تعبير عن مأزقه البنيوي المزمن. ولا يمكن فصل هذا المأزق عن هيمنة «حزب الله» الذي يفرض عملياً سقف المفاوضات، فيما السلطة تتمسك ظاهرياً بمبدأ رفض المفاوضات المباشرة تجنباً لشبهة التطبيع، لكنها في العمق تخشى انكشاف هشاشتها أمام الداخل والخارج، إذ إن أي تواصل مباشر قد يفضح غياب القرار الوطني الموحد وتضارب الولاءات بين مكوناته السياسية والطائفية.

يُقدَّم إعلان رغبة لبنان في التفاوض مع إسرائيل كأنه تطور استثنائي، في حين الأصل أن التفاوض مع العدو هو الخيار الطبيعي لأي دولة تسعى لحماية مصالحها. لكن الإشكال لا يكمن في المبدأ بل في الشكل والمضمون، خاصة في ظل ضغوط أميركية ومبادرات مصرية لم تتضح ملامحها بعد. ففي الشكل، مَن يتفاوض؟ عسكريون أم مدنيون أم وفد مختلط؟ وهل سيقبل «حزب الله» بوفد لا يُمثله؟ وإن شارك موالوه، فكيف يمكن الحديث عن استقلالية القرار؟ وإن غابوا، فهل يلتزم الحزب بما ستؤول إليه المفاوضات؟ أما في المضمون، فإذا كانت مطالب الدولة معروفة، وهي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها وتسليم الأسرى ووقف الاعتداءات وترسيم الحدود، فإن ما تملكه من أوراق تفاوضية، وما تستطيع تقديمه لا يزال مجهولاً، خصوصاً في ظل «لاءات» الحزب المعلنة: لا لتسليم السلاح، لا للهدنة الدائمة، لا لخروج لبنان من النزاع العسكري مع إسرائيل، ولا للتطبيع، حسب «الكتاب المفتوح» إلى الرؤساء الثلاثة الذي يرفض المفاوضات ويضع نفسه في موقع المقرر فوق الدولة.

إنَّ التركيز على السلاح حجب معضلة أعمق قد تكون أخطر من السلاح نفسه. فحتى لو قَبِل الحزب بتسوية تنزع ترسانته الثقيلة إرضاءً لإسرائيل، فهل يعني ذلك تخليه عن هيمنته على القرار السياسي والأمني والاقتصادي، وتحوله إلى قوة لبنانية طبيعية ضمن اللعبة الديمقراطية؟ وهل يفك ارتباطه العضوي بإيران، ويتراجع عن احتكار التمثيل الشيعي، وتكبيل الدولة بالتوافقية المعطّلة؟ أم أن نزع السلاح لن يكون سوى تبديل في الشكل يُبقي جوهر السيطرة على حاله؟

أسئلة كهذه تختصر مأزق لبنان المزمن، وتبقى المفاوضات العتيدة، إن حصلت، محكومة بسقف سياسي منخفض، ما دام القرار الوطني مرتهناً للثنائي الشيعي، والواقع الداخلي غارقاً في الانقسام والتآكل. عندها لن تكون المفاوضات سوى محاولة جديدة لكسب الوقت. إن الدولة التي تتفاوض بلسان غيرها، وليس لديها موقف أو سياسة إلا طمر رأسها في التراب، لا يمكن أن تنتج اتفاقاً يكرس سيادتها، بل مجرد هدن تُبقيها في دائرة المراوحة.

تدرك السلطة اللبنانية، على الأرجح، أن خيار المفاوضات ليس تحولاً استراتيجياً بقدر ما هو محاولة جديدة لكسر الحلقة المستمرة منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي أرهقت الدولة وعمّقت هشاشتها، تاركة مساحات واسعة من الجنوب في حال تسرّب متزايد نحو مناطق أكثر أمناً. هذا إذا لم توسعها إلى أبعد من حدودها وطبيعتها الحالية. أما الخطر الأكبر، ولو كان احتماله ضعيفاً، فيكمن في انزلاق إسرائيل إلى حرب شاملة بلا رؤية سياسية لما بعدها، تُعيد لبنان إلى دائرة الاحتلال والمقاومة والنزوح، وتمنح «حزب الله» مبرراً لتجديد دوره تحت شعار «التحرير»، في وقت تعجز الدولة عن مواجهة تداعياتها الاقتصادية والإنسانية أو استثمار أي عملية إعادة إعمار في مسار استعادة سيادتها.

ما لا يبدو أن السلطة تعيه تماماً هو حجم المتغيرات الإقليمية، من تراجع محور الممانعة مع سقوط النظام السوري وانهيار «حماس» وخسارة «حزب الله» أوراقه الإقليمية مثقلاً بالهزيمة، إلى قمة شرم الشيخ، كل ذلك في ظل موقف دولي-عربي شبه موحد، يربط أي دعم للبنان بوضوح موقفه من نزع سلاح الحزب. والرسالة باتت حاسمة: لا مساعدات قبل استعادة الدولة سيادتها ونزع السلاح غير الشرعي.

إذا أحسنت الدولة التقاط المتغيرات التاريخية كنافذة لإعادة التوازن، فقد تتمكن من تجنب ويلات العنف والحروب وتحويل المفاوضات من مجرد مناورات شكلية إلى مدخل تدريجي، لاستعادة السيادة عبر تكريس مؤسساتها كطرف وحيد ممثل للبنان. فالحزب الذي فقد وهم الردع وخسر سوريا والدعم الإيراني المتدهور، لن يستطيع مواجهة جبهة دولية وعربية موحدة إلى ما لا نهاية. المطلوب من السلطة ليس المعجزات، بل تحصين أمن البلاد وأهلها وبناء الثقة بين الجيش وإسرائيل ليتمكن من حماية الحدود وحفظ وقف دائم لحال الحرب مع إسرائيل بهدنة دائمة وترتيبات أمنية موثوقة من الجانبين. بعدها قد تستطيع السلطة التفرغ لأمراض الداخل ودخول مرحلة التعافي.

 

arabstoday

GMT 08:00 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ممداني... و«سنونو» نيويورك!

GMT 07:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

نيويورك بين أسوار الليبرالية والاشتراكية

GMT 07:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من نيويورك إلى غزّة

GMT 07:47 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرح ليس حدثاً

GMT 07:46 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تلك الصورة في البيت الأبيض

GMT 07:44 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زغلول النجّار.. ودراما الإعجاز العلمي

GMT 07:41 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

طيور المحبة بين الرياض والقاهرة

GMT 07:39 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب.. لا تربية ولا تعليم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة لبنان المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 23:24 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
 العرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

GMT 13:38 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان وتودي بحياة مواطن

GMT 08:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تتأثر الأبراج الفلكية على طريقة تعبيرها عن المشاعر

GMT 22:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبدأ تقليص استدعاءات جنود الاحتياط

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab