بقلم : طارق الشناوي
الأفلام ثلاثة أنواع، الأول ينتهى من خيالك بمجرد أن تغادر دار العرض، النوع الثانى، تبدأ مشاهدته بعد نهاية العرض، غالبا تطرح الشاشة سؤالًا يعود معك للبيت، ويسيطر عليك، وتتذكر أحيانا تكوينا دراميا أو حركة كاميرا عبر خلالها المخرج، عن معنى لا تزال تبحث عنه، أو قد تسيطر عليك جملة حوار، تحدد علاقتك بالحياة، وهناك النوع الثالث الذى يدفعك لأن تقول مع كلمة النهاية (لا بأس ماشى الحال).
النوع الأول قطعا يشكل الأغلبية فى مصر والعالم، أما الثانى فمن الممكن أن تجد له نماذج واضحة فى أفلام عدد قليل من المخرجين نذكر مثلا داود عبدالسيد، تتعدد مستويات القراءة، الدرامية والوجدانية وأيضا الكونية، ويبقى النوع الثالث الذى تجده كنموذج واضح فى فيلم (درويش) للمخرج وليد الحلفاوى ويستحق درجة (يدوبك).
شاهدت لوليد العام الماضى فيلمه الطموح إبداعيا (وش فى وش)، اثبت فيه أنه محرج لا يكتفى بالتصوير المباشرة للسيناريو، ولكنه، أضاف رؤيته وإحساسه وقدم إيقاعا متميزا، هذه المرة كانت لديه لمحة تستحق مزيد من الغوص مع كل تداعياتها ومستوياتها، اكتفى بالسطح، أعجبه الزمن- مطلع الأربعينيات تحديدًا ١٩٤٣- تلك الحقبة تفرض العديد من التفاصيل على مذاق التصوير والأزياء والألوان والموسيقى والغناء والجرافيكس والديكور ومفردات الحوار، هناك حنين لتلك السنوات لا يمكن إنكاره، عندما كان المجتمع أكثر رحابة ومرونة على كل المستويات، الفكرة التى دفعت الكاتب وسام صبرى لرصدها وتحمس لها المخرج هى الزعامة، والبطولة الزائفة، الإنسان فى حالة بحث دائم عن بطل (لو لم نجده عليها لاخترعناه) قالها الشاعر الكبير نزار قبانى عن الحب، وهى أيضا تصلح للحديث عن بطل نتوق إليه فنخترعه.
هو لص وبلطجى إلا أنه فى لحظة ضبابية يعتقد البعض أنه بطل وتهتف الجماهير باسمه، هذا هو الخيط الدرامى، الذى يربط الزمن الماضى بالحاضر وأيضا القادم، الناس أحيانا من فرط الظلم والقهر تنتظر هذا المخلص، يصبغون عليه ما يحلو لهم من صفات تضعه فى مكانة الأسطورة.
عمرو يوسف (درويش) الذى يحير قوات الاحتلال البريطانى أثناء مطاردته، يعيش مع الراقصة دينا الشربينى وصديقه مصطفى غريب خبير سرقة الخزائن، وعلى الجانب الآخر لدينا الأبطال الحقيقيون الذين يضعون أرواحهم على أكفهم، يتزعمهم خالد كمال وتشاركهم تارا عماد.
العمل الفنى يراهن على تقديم فيلم حركة بمذاق كوميدى، وفى كل موقف يعيد صياغة الحكاية ويقدم لنا تبريرا لماذا وكيف استطاع البطل النجاة!.
الفيلم على الورق مكتوب بطريقة (الفلاش باك) تارا عماد هى التى تروى لنا بعد أن مضى بها قطار العمر وبعد المكياج صارت امرأة طاعنة فى السن أدت دورها يسرا كضيف شرف، وينتهى الفيلم عندما تنتهى هى من البوح فى مشهد مع الإعلامى محمود سعد وتترك كل الإجابات مفتوحة وممكنة، فهو مارس كل أنواع السرقات، ولكنه كان يسرق ممن يستحقون، يسطو على النصابين، هل كان بطلا؟ تترك يسرا فى إجابتها القوس مفتوحا، هناك أكثر من ضيف شرف، يسرا كانت على صواب عندما قبلت الدور لأنه يحتاج إلى نجمة لها تاريخ، ولكن هشام ماجد مثلا يبدو وكأنه فقط يجامل أصدقاءه، ضيف الشرف ظاهرة ينبغى ألا يستسلم لها نجومنا، ولم تعد حنى تثير دهشة أحد.
الشريط السينمائى كان مثقلًا بالحكى، ويقطع الحدث لكى يحكى مجددًا لكى يبرر الموقف، السيناريو كان بحاجة إلى رؤية اكثر عصرية ومنطقية فى بنائه، وتلك أيضا مسؤولية المخرج، لدينا العديد من الشخصيات تبدو (أرشيفية) تشعرك بأن الكاتب لم يجهد نفسه كثيرا فى بنائها، فأنت شاهدتها من قبل فى تراث أفلامنا. تستطيع أن ترى الفيلم وهو مصنوع على مقاس عمرو يوسف من أجل تدشينه بطلا قادمًا يستطيع اقتناص شباك التذاكر، هناك محاولات سابقة معه مثل (شقو)، إلا أنها اكتملت فى (درويش)، يجمع فيه عمرو بين خفة الظل وأداء الأكشن هو الأكثر اقترابًا لتحقيق هذا الهدف، هل نجحت الخطة لتدشين نجم شباك قادم؟، الرقم هو المؤشر الحاسم، نعم هناك شباك تذاكر لا يمكن إغفاله سيضعه قطعًا فى مكانة النجم القابل لتكرار التجربة، ولكنه لم يحقق الثورة الرقمية التى تضمن أن تضعه فى مكانة (السوبر)، مثل تلك التى حققها من قبل كريم عبدالعزيز وأحمد عز، رقم عمرو لا يزال بعيدا.
دينا الشربينى أدت دور راقصة درجة ثالثة بخفة ظل ومزاج رائق، إلا أنها تحفظت فى ارتداء ملابس الراقصة ولا أدرى هل هى التى تحفظت أم شركة الإنتاج؟.
مصطفى غريب الورقة الرابحة فى أفلام هذا الصيف، هذه المرة لم يجد الكثير ليقدمه، ولم يتح له الدور شيئا مختلفا، تارا عماد وجه له خصوصية تمتاز بأداء درامى عصرى ينضح بالطبيعية والبساطة.
وليد الحلفاوى من أكثر مخرجى هذا الجيل موهبة، إلا انه يجب أن يمنح طاقة اكبر للسيناريو متجاوزًا سطح الفكرة لينفذ إلى العمق، هذا إذا أراد حقًا أن يمنح الشريط السينمائى بقاء وسحرًا!