بقلم: طارق الشناوي
بينما يستعد العام للرحيل، رحلت النجمة الفرنسية بريجيت باردو رمز الأنوثة فى العالم، كانت بريجيت قد عبرت فى سبتمبر الماضى شاطئ الواحد والتسعين من عمرها، اختارت قبل أكثر من ٥٠ عاما الابتعاد عن الاستوديوهات، إلا أنها ظلت تشغل الإعلام بحضورها الإنسانى، ونعاها الرئيس الفرنسى ماكرون باعتبارها أسطورة.
هاجمتها الكثير من الكنائس المسيحية مع اختلاف طوائفها، لأنهم أعدوها تضرب بأفلامها الثوابت الدينية فى مقتل، وكان هناك أيضا غضب اجتماعى، اعتبرها قطاع وافر من المجتمع الفرنسى نموذجا للفضائحية يجب تجنبه، وصلت لذروة الوهج وأيضا الجمال وقررت التوقف عن التمثيل مطلع السبعينيات.
شركات الإنتاج لم تتوقف عن ترشيحها للعودة، إلا أن قرار الاعتزال لم تتنازل عنه، وهو اعتزال عن التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، إلا أنه ليس قرارا بالعزلة عن الحياة، والفارق شاسع بين العزلة والاعتزال.
اعتزلت التمثيل ولم تعتزل التشابك مع الحياة، وخاضت الكثير من المعارك لحماية الحيوانات من غدر سكاكين البشر. قررت بإرادتها أن تتوقف عن أكل اللحوم بكل أنواعها وصارت (نباتية) بالاختيار، وكثيرا ما دفعت من مالها الخاص لحماية ورعاية الحيوانات.
اختيار العزلة ليس هو الوحيد أو الحتمى، الذى يجد فيه الكبار ملاذا آمنا لهم، هناك من يواصلون العطاء فى الاستوديو حتى النَّفس الأخير. الإبداع فى أى مجال فنى يصبح حياتهم. بريجيت لم تتوقف عن التفاعل الدائم مع الحياة، ولكنها غادرت فقط الاستوديو. لديكم مثلا وفى نفس المرحلة العمرية مثلا من إيطاليا تبرق صوفيا لورين، التى تقف فى نفس المكانة مع بريجيت، كل منهما فى زمنهما كانتا رمزا للأنوثة، غادرتا بحكم الزمن هذا التوصيف.. صوفيا لم تتوقف عن الوقوف أمام الكاميرا، تضاءل العدد ولكن لا تزال داخل الملعب.
بريجيت أمضت فقط حياتها فى معركتها المصيرية لحماية الحيوانات، خاصة الخيول من سكاكين البشر، فهى ترى أن فى هذا اعتداء على الحق فى الحياة المكفول للكائنات الحية، مؤكدة أن الخدمات التى تقدمها الحيوانات للبشر لا تعد ولا تحصى، كان لها تصريح قبل بضع سنوات، أغضب جموع المسلمين لم تتعمده ولكن لعدم درايتها بالطقوس الدينية فى ذبح الأضحية فى عيد الأضحى، هى قطعا لم تكن تقصد النيل من الإسلام ولكنها عبرت عن موقفها بدون أن تفكر فى تبعاته.
لا تتوقف بريجيت كثيرا أمام ما قدمته من أفلام فى الماضى وجعلها أيقونة فى العالم، وظلت حتى رحيلها لا تتنكر له ولكنها تعيش فقط اللحظة.
لم يخترقها الإحساس بأنها تعيش الشيخوخة، وظلت تستقبل كل يوم جديد فى حياتها باعتباره منحة من السماء.
اختيار البقاء فى ممارسة الحياة لا يعنى بالضرورة أن الحياة هى فقط الاستوديو.
ستظل بريجيت باردو صفحة مضيئة فى كتاب السينما الفرنسية والعالمية، يكفيها أنها لعبت بطولة فيلم (وخلق الله المرأة) لروجر فاديم قبل 70 عاما، ولا يزال يقف فى مقدمة الأفلام التى أحدثت انقلابا رغم أنه ناطق بالفرنسية، إلا أنه احتل مكانته فى سجل السينما العالمية.