رحل «البدر» و«المسافر راح»

رحل «البدر»... و«المسافر راح»

رحل «البدر»... و«المسافر راح»

 العرب اليوم -

رحل «البدر» و«المسافر راح»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

بدر بن عبدالمحسن أمير الشعراء وشاعر الأمراء، أفكاره جديدةٌ وبنية قصائده حديثة، ولكن معانيه تضرب أطنابها عميقاً في القلب الإنساني والوجدان العربي، فتلامس شغافه وتعزف على نياطه، يكتب شعر التفعيلة رقراقاً منساباً كقطرة ماء على كبدٍ صاديةٍ ويتهافت على كلماته الملحنون الكبار لأنها تشعل في نفوسهم أنغاماً جديدةً فريدةً وتحرض ملكاتهم على الإشراق فتصدح بها حناجر المغنين مشاعر وأحاسيس.

اخترمت المنية «البدر» وهو يمشي الهوينا في عقده الثامن «75 عاماً» بعدما نثر ورود الحروف على بياض مسيرة معطرةٍ بالإبداع تشنّف الأسماع وتشجي القلوب وتذكي العواطف الجياشة، وهو بعد عربيٌ أصيلٌ و«بدويٌ» ثوبه «على المتن مشقوق» يمتح من لغته الأصيلة ولهجته الفريدة فيرسم معانيه لوحاتٍ زاهية الألوان ساحرة المرأى فتبقى في ذاكرة الأجيال.

كان «البدر» الشاعر ملحق الأحفاد بالأجداد في تخليد مشاعرهم جميعاً عبر حروفه وصوره ومعانيه، فليس غريباً أن يحفظ شعره «الحفيد» على جهازه اللوحي الحديث والمعاصر ويستذكره مع «والده» الذي حفظه من كتابٍ ويتغنيان به مع «الجدّ»، الذي يحدو به كلماتٍ ولحناً يخترق الزمان والمكان.

كل قارئ يستحضر من أبيات «البدر» فيما يعرض له في حياته ما يناسب حالته ويحكي مشاعره ويصيب الغرض الذي يريد، ولهذا سارت بقصائده الركبان بعدما أصبحت معزوفاتٍ يتغنى بها الزمان كأنها في «فم الدهر ابتسام» كما قال المتنبي. لئن عرف «البدر» بشعر التفعيلة فقد كان شاعراً مفلقاً في الشعر العمودي، وله الأبيات الخالدة والمعاني الباذخة، بعيداً عن الإطالة فيكفي من قلادته ما أحاط بالأعناق، فهو دائماً ما «يفلّ المحزّ ويصيب المفصل» كما تقول العرب، فيقول بشعرٍ مقفىً وموزونٍ:

يا ضاربٍ في الصخر بذراعٍ أجرد/ بيّن بياض العظم ما فاض هدّاج ويا ضايعٍ في غابة الحبر الأسود/ ضاع العمر ما جبت حرفين من عاج.

أغراضه في الحب وصلاً وهجراً، في العتاب فراقاً واعتذاراً، في الفخار الوطني والانتماء العميق، في الغزل والتشبيب في البيئة والصحراء، في الإبل والخيل والنخيل، في كل ذلك وأكثر كتب «البدر» ووقف على معانٍ فريدةٍ تشابه موقف الشريف الرضي على معنى «كِبر الملول ورقة المملول»، وقصائد «البدر» عصية على النسيان لأنها كتبت بحبر الخلود.

مفردات الصحراء في شعره تحكي ذاكرة العرب الأصيلة الممتدة والتي لا يعرفها شعراء الصفصاف والأنهار إلا تعلّماً لا معايشةً، بينما «البدر» يحيكها صوراً ومفرداتٍ، معاني وقيماً، فخامةً وقوةً، لأنه يمثل الامتداد الطبيعي لعرب الجاهلية الذين لم يعرف أكثرهم غير الجزيرة العربية موطناً. في الوطن والوطنية غاص «البدر» على معانٍ وتراكيب لم يسبق إليها، وصار شاعر الوطن المغنّى دون منازعٍ، فهو «المجلّي» والأول والسابق، وكل من سعوا لتقليده كانوا بين «المصلّي» أي الثاني و«المسلّي» الثالث أو «التالي» الرابع كما كانت العرب تُرتب الخيل في السباق، وشعره الوطني موشى بالفخار مع رقة الحاشية وعذوبة المفردة، فلا أحد ينسى «فوق هام السحب».

كأن «البدر» يودع الجميع حين قال: «يالله يا قلبي سرينا، ضاقت الدنيا علينا»، فصارت الناس تردد بعد رحيله: «ذبلت أنوار الشوارع وانطفى ضيّ الحروف»، و«المسافر راح». كان «البدر» في شعره نابغةً وعبقرياً بحسب تصنيف «الطنطاوي» يأخذ من هذا وذاك، فله في كل شعورٍ قولٌ وفي كل إحساسٍ معنى، ولهذا يردد قصائده ويحفظ كلماته العرب شباباً وشيباً من كل بلادٍ، وهو كتب في «الإمارات» قصيدته العذبة «حروف الذهب» يقول فيها:

ليت أبوظبي ياسعها الهدب وتسكن العين ويطول المقام دار من سطّر المجد وكتب قصةٍ حبرها برق الغمام

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحل «البدر» و«المسافر راح» رحل «البدر» و«المسافر راح»



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 22:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

دارفور على صفيح ساخن بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - دارفور على صفيح ساخن بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab