«داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط»

«داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط»

«داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط»

 العرب اليوم -

«داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط»

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

الفنون جميعها تعبّر عن مواقف كبرى تجاه الكون والإنسان والحياة، وهي تفرعت في تاريخ البشرية تفرعاتٍ كبرى، وكان لبعضها قصب السبق في تنبيه بقية العلوم على أخطاء وملاحظاتٍ ونقدٍ عميقٍ للمجتمع والثقافة والسياسة، ومن هذه الفنون فن رسم الكاريكاتير، الذي ينبغي أن يجمع راسمه بين الخبرة الصحافية والسياسية والفن التشكيلي.

في عدد السبت الماضي، رسم رسام الكاريكاتير المتميز في هذه الصحيفة أمجد رسمي، كاريكاتيراً مكثفاً في فكرته ومضمونه، وهو يظهر باباً مغلقاً وشديد الإغلاق، ولكن «تنظيم داعش» الإرهابي يتسلل من تحت الباب ليفاجئ منطقة الشرق الأوسط بظهوره مجدداً على الساحة.

هذه فكرةٌ رائعةٌ تدل على خلفية ثقافية مميزةٍ، وتحليل سياسي متفرد، بحيث ثبت اليوم فشل الرؤى التي طرحت منذ سنواتٍ طروحاتٍ تبشيرية بـ«نهاية الإرهاب»، وأكثر من هذا طروحاتٍ عاطفية ووعظية تحدثت عن «نهاية الصحوة» برمتها، وهي دعوى وإن كتبها محللون، فإنها لا تعدو أن تكون مصوغةً صياغةً وعظيةً تظهر تأثير «الصحوة» نفسها في صياغتها ونشرها ومحاولة تثبيتها.

يمكن للمتشكك في خطل هذه الأطروحة الوعظية بنهاية الإرهاب ونهاية الصحوة الإسلاموية، أن يراجع الأخبار في القارات الخمس، وأن يتابع ما يجري في أوروبا تحديداً من تحركاتٍ مريبةٍ وخططٍ خطيرةٍ لإعادة نشاط تنظيم «داعش» إلى العمل والتأثير مجدداً، ويمكنه أكثر أن يسائل الدولة السورية الجديدة قياداتٍ وعناصر ومواطنين، عن صحة الحديث عن «نهاية الإرهاب» أو «نهاية داعش»، هذا فضلاً عن قراءة تقارير الأجهزة العالمية المعنية بهذا الحقل الخطير والمؤثر حول العالم.

الدعايات المصوغة للتأثير في الرأي العام يمكن اكتشافها بسهولةٍ لأي مواطنٍ عاديٍ يشاهد الواقع، ويتمتع باستقلالية وعقلانية فكرية، والمواطن السوري اليوم خير مثالٍ، فلا يمكن لأحدٍ أن يشكك بأن له أي غرضٍ غير محاولة اكتشاف الحقيقية والابتعاد عن أي أجندةٍ من أي نوعٍ، سواء كانت تلك الأجندة تنتمي لجماعات وحركات «الإسلام السياسي»، أو لبعض مطاياهم من المثقفين، أو حتى لبعض المستفيدين شخصياً من هذه الدعاية الجوفاء التي تبشر لا بنهاية التطرف فحسب؛ بل بنهاية الصحوة الإسلاموية مرةً واحدةً وإلى الأبد.

طارحو مثل هذه الأفكار غير العلمية وغير الواقعية، يعيشون في بوتقةٍ مغلقةٍ يمكن للمواطن العادي في سوريا، وفي غيرها، ويمكن للصحافي المحترف، ويمكن لراسم الكاريكاتير النبيه، أن يكتشف خطَلها وتناقضها بسهولةٍ، والحديث هنا عن «نهاية داعش» التي بشر بها الكثيرون على مدى عقدٍ من الزمان غربياً وعربياً، ولئن كان موقف الإعلام الغربي متفهماً، خصوصاً من التيارات السياسية المصطرعة هناك، فإن الأمر ذاته لا ينطبق على إعلام منطقتنا، حيث يفترض بإعلاميينا وصحافيينا أن يكونوا أكثر معرفةً وإدراكاً وحساسيةً تجاه مثل هذه التنظيمات، كما يفترض أن يكونوا مطلعين على عمقها التاريخي القديم، وتأثيراتها واسعة النطاق تنظيمياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً في القرن الأخير من تاريخ المنطقة ودولها.

حركات «الإسلام السياسي» ومفاهيمه وأفكاره وخطابه ما زالت تتحكم في رؤية وعقل وقرار كثيرٍ من النافذين في الدول العربية والإسلامية، إما عن طريق الولاء التنظيمي والبيعة، وإما من خلال التأثر بالمفاهيم والأفكار التي أحدثها وخلقها وسعى للخلط بينها وبين دين الإسلام الكريم، وإما من خلال التربية والتعليم الذي سيطرت عليه هذه الجماعات عقوداً من الزمن في الدول العربية والإسلامية، وبخاصةٍ الغنية منها، في الخليج العربي وفي شرق آسيا، كما في دول الاغتراب الغربية أوروبياً وأميركياً.

الاستهانة بتأثير الأفكار الكبرى عبر التاريخ، والتقليل من أثرها، وعدم إدراك قيمة الوعي بها، كل ذلك يؤدي دائماً إلى هزائم كبرى وخساراتٍ غير محدودةٍ وتراجعاتٍ فادحةٍ للدول والأمم والشعوب التي تقتنع بتلك الاستهانة، وتتكئ كسلاً على قناعاتٍ مغلوطةٍ تعززها وتنشرها، وليقرأ من شاء تاريخ البشرية وتاريخ صراع الحضارات قديماً وحديثاً، ليجد أن الآيديولوجيات والمفاهيم والأفكار والخطابات لا تختفي فجأةً، ولا تنتهي عفو الخاطر من التاريخ.

أخيراً، فقد أحسن الصحافي والفنان التشكيلي أمجد رسمي حقاً في هذا الكاريكاتير المعبّر عن الواقع كما هو.

«داعش» الذي يتسلل من تحت الباب، هو لم يتسلل من تحت الباب، ولكنْ، صانعو الأوهام أرادوا تزلفاً أو تفكيراً رغبوياً أن يقنعوا الناس بنهاية التنظيم، لمجرد خلق نشوة عامةٍ بأن المخاطر العميقة قد تنتهي بقرارٍ والآيديولوجيّات المتطرفة قد تختفي في طرفة عين.

 

arabstoday

GMT 13:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 13:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 13:17 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 12:49 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 12:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 12:46 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

للسلاح وقت... وللقوة الناعمة كل الوقت

GMT 12:44 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسؤولية الإعلاميين: المهنية قبل أى اعتبار

GMT 11:51 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط» «داعش» وكاريكاتير «الشرق الأوسط»



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 20:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 العرب اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 08:08 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 العرب اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 08:08 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:37 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

خرافة النّكبة الشّيعيّة

GMT 20:22 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة إيمان شقيقة الزعيم "عادل إمام" بعد أزمة صحية طارئة

GMT 16:34 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عطل محرك طائرة بوينغ يتسبب بحريق في مطار واشنطن

GMT 23:57 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الخطوط الجوية العراقية تعلن عن نظام جديد لحجز التذاكر

GMT 12:57 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 4.9 درجات يضرب جزر فيجي

GMT 08:18 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يثني على رجل تغلب على المهاجم وانتزع سلاحه في سيدني

GMT 00:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 06:40 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 09:13 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاحتلال تشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية

GMT 09:15 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاحتلال الإسرائيلي يقصف بلدة الظهيرة جنوب لبنان

GMT 00:19 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

رامي إمام يعلن تفاصيل جديدة عن حياة عادل إمام في الاعتزال

GMT 23:27 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سوريا تعلن اعتقال 5 مشتبه بهم في هجوم تدمر

GMT 00:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

كأس العرب.. متعة المشاهدة لماذا؟

GMT 00:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

بين السياسة والرياضة.. صلاح بعد العاصفة!

GMT 13:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

العوضي يفاجئ جمهوره بزواج قريب وحديث عن الأبوة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab