“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة

“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة

“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة

 العرب اليوم -

“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة

بقلم : نديم قطيش

إعلان “الحزب” عزمه على عرض صورتَيْ أمينَيه العامَّين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين، على صخرة الروشة في بيروت، بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال نصرالله، والذي قوبل باعتراضات واسعة، يكشف مأزق “الحزب”، بين طبيعته الإقليميّة المتجاوزة للهويّة اللبنانيّة وحاجته اليوم إلى التلاعب بهذه الهويّة التي لطالما تعارض معها.

تجاوزت صخرة الروشة كونها تكويناً طبيعيّاً يزيّن واجهة بيروت البحريّة، لتصير صورة مركّبة جمعت الرمز الاقتصاديّ بالفنّي والسياحيّ. حضرت في الأغنية والفيلم والمسرح والذاكرة الجماعيّة. ظهرت على العملة اللبنانية من فئة العشر ليرات في الثمانينيّات، ثمّ على فئة المئة ألف عام 2020 احتفاءً بمئويّة لبنان الكبير.

في ذروة خمسينيّات وستّينيّات القرن الماضي، صارت الروشة كنايةً عن تحوّلات لبنان الاقتصاديّة والخدميّة، حين نهضت حولها منطقة فخمة تحتضن الفنادق الكبرى والمطاعم والمقاهي التي جذبت الأثرياء والفنّانين العرب. قبالتها، غنّى عبدالحليم حافظ “جانا الهوى جانا” بجوار ناديا لطفي، في مشهد الختام في فيلم “أبي فوق الشجرة”، بالإضافة إلى عشرات الأغنيات التي خصّت الروشة بالذكر، والأفلام التي وظّفتها كموقع تصوير مليء بالمعاني والإسقاطات.

محت الحرب الأهليّة الكثير من معاني الروشة في سياق محوها أيقونات لبنان المتعدّدة الأبعاد، والتي تختزل الجمال الطبيعيّ، وتاريخ البلد، ووجهه الثقافي. لكنّ موقع الصخرة ظلّ عصيّاً في الذاكرة الجماعيّة، كعلَم يجسّد لبناناً متخيّلاً ومشتهى، و”مقدّساً مدنيّاً” للّبنانيين، يثير انتهاكه رفضاً جماعيّاً يتجاوز الانقسامات.

فرض الهيمنة الأيديولوجيّة

عُدَّ التوجّه لإضاءة الصخرة بصورتَي الأمينّين العامَّين، محاولة واعية لإعادة تعريف الهويّة الوطنيّة اللبنانية وفرض هيمنة أيديولوجيّة خاصّة على فضاء بيروتيّ عامّ، يشكّل عمليّاً النقيض الموضوعيّ للبنان “الحزب”. كما يُفهم هذا التوجّه كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة بناء هيبة “الحزب” المفقودة والتعامل مع الأزمة الوجوديّة التي يواجهها بعد الهزيمة الساحقة التي تلقّاها في حرب 2024، والتي شملت مقتل قياداته الرئيسيّة وتدمير بنيته العسكريّة.
يكشف مأزق “الحزب”، بين طبيعته الإقليميّة المتجاوزة للهويّة اللبنانيّة وحاجته اليوم إلى التلاعب بهذه الهويّة التي لطالما تعارض معها

“الحزب” ليس أوّل أو آخِر الجماعات السياسيّة التي تلجأ، عندما تفقد قوّتها الفعليّة على الأرض، إلى المعارك الرمزيّة كوسيلة لتأكيد استمراريّتها وحيويّتها، ولصرف الانتباه عن الفشل المادّي بالاتّكال على “الانتصار” الرمزيّ. إنّنا بإزاء محاولة استرداد الهيمنة المفقودة عبر القهر السياسي وتعويد اللّبنانيّين على رؤية رموز فئويّة تحتلّ الفضاء العامّ، كالمطار وطريقه سابقاً، وصخرة الروشة الآن.

الحزب

السيطرة على الرموز الوطنيّة وإخضاعها لتأويلات جديدة هي محاولة لإعادة تشكيل الوعي الجماعيّ اللبنانيّ، وطريقة فهم اللبنانيّين لتاريخهم وهويّتهم ومستقبلهم.

مقاومة مجتمعيّة حقيقيّة

عليه تشير الاعتراضات الواسعة التي قوبل بها توجّه “الحزب” هذا، رغم قوّة الضغط الذي يمارسه عبر إعلامه ونشطائه في الفضاء الرقميّ، إلى وجود مقاومة مجتمعيّة حقيقيّة لهذا النوع من الهيمنة الرمزيّة، وعلى نحو يتجاوز الحدود الطائفيّة والسياسيّة التقليديّة، ويندرج في إطار لبنان أعرض وأوسع من لبنان “الحزب”.

في المقابل يأمل “الحزب” إن نجح في فرض هيمنته الرمزيّة على الروشة أن يفتح الباب أمام محاولات مشابهة لاحتلال مساحات ورموز وطنيّة أخرى، تُعينه على إعادة ترميم هيبته التي تضرّرت كثيراً ووصل تهاويها إلى حدود الطلاق العلنيّ مع سلاحه، وإخضاع هذا السلاح لاستراتيجيات المصادرة والنزع والحصار.

ليس من المبالغة القول إنّ ما يجري حول صخرة الروشة أكثر من مجرّد جدل حول صورة أو رمز، بل معركة حقيقيّة على طبيعة لبنان ومستقبله، وعلى توازن القوى فيه. وهو، في الحدّ الأدنى، مؤشّر إلى أنّ من أوصل اللبنانيّين إلى ما وصلوا إليه لم يتعلّم حرفاً من دروس الهزيمة التي لحقت به وأنهكت البلد.

إقرأ أيضاً: من الرّوشة إلى الرّياض: ضاقت آفاق “الحزب”

بين صخرة الروشة و”الحزب” خيط واحد: الانتحار. الصخرة التي ارتبطت أيضاً في وجدان البيروتيّين بقفزات يائسة نحو الموت، يمكن أن تتحوّل اليوم إلى مرآة لانتحاريّة “الحزب”، لا أكثر ولا أقلّ.

لم يخلق القفز اليائس من جوارها أبطالاً، ولم تقدّم لنا قفزات “الحزب” إلّا جثّة الوطن.

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة “الحزب” إذ ينتحر عند صخرة الرّوشة



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026
 العرب اليوم - ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab