بقلم - جبريل العبيدي
تأتي القمة العربية في ظروف استثنائية في مملكة البحرين، وهي لأول مرة تعقد في هذا البلد التاريخي، الذي عرفه العالم قبل دول وإمبراطوريات كانت موجودة واندثرت، لكن البحرين كانت، ولا تزال يعرفها التاريخ قبل الجغرافيا، فقد عرفها البحارة والرحالة والعالم عبر العصور من دون انقطاع شرقاً وغرباً. تنعقد القمة العربية العادية في ظروف استثنائية، في بلد عاصر كل العصور وعانقها، وأثبت وجوده فيها رغم صغر مساحته الجغرافية وكبر دوره الفعال عربياً وإقليمياً، فوجوده على الخريطة كان ولا يزال مهماً، واسأل البحارة والغواصة والرحالة والتجار، إن كنت تجهل تاريخ البحرين، ولا نبالغ إذا قلنا إن البحرين عرفت كما عرفت بلاد الهند والسند في زمانها، بل كانت قرينة بهما في الحل والترحال وأحاديث وقصص الرحالة والبحارة.
انعقاد قمة عربية في بلد، يحمل هذا التعريف والمعرفة الخصبة، لا بد أن يكون له شأن، وبالتالي ما سينتج عن البحرين وقمة العرب فيها سيكون له أثر كبير في السياسة الدولية، وستكون أعين العالم ومسامعه في البحرين حاضرة.
شيوخ وملوك وأمراء وملوك البحرين طوال تاريخهم السياسي كانوا مع الوفاق العربي، ولم يشهد لهم أبداً أنهم دعاة شقاق أو خصام، بل كانوا ولا يزالون أصحاب مبادرات سلام ووفاق، وكانوا سباقين لحضور جميع القمم العربية من دون غياب يذكر، منذ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848 - 1932) رحمة الله عليه، حيث دام حكمه 63 عاماً شيخاً وحاكماً للبحرين، الذي كان يتحلَّى بالحكمة ويدفع بالحسنة مقابل السيئة التي تطوله.
الحكمة والمعرفة اللتان يتمتع بهما حكام البحرين، واللتان توارثوهما أباً عن جد تؤهلانهم لاستضافة حدث تاريخي في ظرف استثنائي وقيادة قمة بحجم القمة العربية، خاصة بعد أن أصبح للجامعة العربية دور بارز ومهم في حلحلة القضايا وتفكيك الأزمات بالتوافق العربي، الذي أصبح ممكناً ومتاحاً بعد المصالحات والتقاربات العربية العربية حتى الإقليمية، ما يجعل مناخ المصالحة الإقليمية قابلاً للحياة والتعايش.
قمة البحرين تسعى جاهدة إلى تعميق عرى وأواصر التعاون العربي المشترك، والدفع بآليات العمل العربي المشترك، والإبقاء على قنوات التواصل والتشاور العربي لتحقيق سلام مستدام في المنطقة، وانتهاج حلول سلمية شاملة ومستدامة لإنهاء الحروب، وتسوية النزاعات كافة في المنطقة، وعلى رأس الأولوية حل القضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين.
قمة البحرين كما أكد عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية البحريني، رئيس الاجتماع التحضيري للقمة الثالثة والثلاثين، «تنعقد في ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة الدقة والحساسية، ووسط تحديات اقتصادية، ومآسٍ إنسانية، وصراعات إقليمية ودولية، تفرض علينا وحدة الصف والتضامن، دفاعاً عن مصالحنا الحيوية، وأمننا القومي، تعبيراً عن آمال شعوبنا في مستقبل مشرق، يسوده السلام والاستقرار». وكما جاء على لسان الوزير، فإنَّ القمة تسعى ليسود السلام والاستقرار بلاد العرب، التي عانت شعوبها من حروب بالوكالة، يدفع فاتورتها المواطن العربي دماً وجوعاً وعطشاً وتشرداً بسبب الحروب، كما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن ولبنان.أمام قمة البحرين ملفات حساسة وشائكة. تتصدرها القضية الفلسطينية، وتفعيل مبادرة السلام العربية، وتطورات الحرب في غزة، والانتهاكات الإسرائيلية، وأوضاع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إضافة إلى ملف التنمية في الأراضي الفلسطينية، والملف السوري، كما يتضمن جدول أعمال القمة مناقشة الشؤون العربية والأمن القومي، وملفات من بينها التضامن مع لبنان، والوضع في سوريا، ودعم السلام، وإيقاف القتال بين الإخوة في السودان، وتطورات الوضع السياسي المنقسم في ليبيا، وآخر المستجدات في الملف اليمني، كما يشمل جدول الأعمال مناقشة دعم الصومال وجمهورية القمر المتحدة، وتأكيد ضرورة الحل السلمي للنزاع الحدودي الجيبوتي - الإريتري، وملف السد الأثيوبي. ملفات جميعها ملتهبة، خاصة في فلسطين والسودان وجنوب لبنان. القمة العربية في البحرين نتمنى أن تؤسس لبنة مهمة في تفعيل العمل العربي المشترك، سواء الدفاعي أو الأمني أو الاقتصادي، مع توظيف أمثل للموارد الاقتصادية في بلاد العرب، لتحقيق تكامل اقتصادي ينعكس إيجابياً على مستوى معيشة المواطنين، وتكون القمة قد بدأت مرحلة جديدة في وحدتنا واعتزازنا بقيمنا وهويتنا الثقافية والحضارية.