عنوانُ مقالى، هذا، مُستوحى، بتصرفٍ بسيطٍ، من القصيدةِ المُطوَّلةِ الموسومةِ بـ «مِصرُ تتحدثُ عن نفسِها»، ومنها هذه الأبيات:
(( وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جميعًا/
كَيفَ أَبنى قَواعِدَ المَجدِ وحدِى/
و بُناةُ الأَهرامِ فى سالِفِ الدَهرِ/
كَفَونى الكَلامَ عندَ التَحَدِّى /
أَنا تاجُ العَلاءِ فى مَفرِقِ الشَرقِ/
ودُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدى)).
هذه الدُّرَّةُ الشِّعريةُ لشاعرِ النيلِ «حافظ إبراهيم»، نحبُّها ونحفظُها عن ظهرِ قلبٍ، منذ أنْ كُنا صغارًا، لِما تتضمنُه من معانٍ ساميةٍ، وقِيَّمٍ وطنيةٍ وقوميةٍ عُليا، تجمعُنا فى «علياءِ» الأوطانِ!
و«حافظُ إبراهيم» شاعرٌ من روادِ الشِّعرِ فى مِصرَ والوطنِ العربى، وأحدُّ رموزِ مدرسةِ «الإحياء» الشِّعريةِ، فى نهايةِ القرنِ العشرين، وُلد فى «ديروط، بأسيوط»، العام 1872م، عُرف بلقبِ شاعرِ الشعبِ، ولقَّبَه أميرُ الشُّعراءِ «أحمد شوقي» بشاعرِ النيلِ. -رحمهما آللهُ.
وقد عُرف «حافظ إبراهيم» بموقفِه المدافعِ عن اللغةِ العربيةِ ضد المستعمرِ، لِما كان يتميَّزُ به من روحٍ وطنيةٍ عاليةٍ، ثائرةٍ، وثّابة!.
وتُعدُّ قصيدةُ «مِصرُ تتحدثُ عن نفسِها»، قصيدةً وطنيةً بامتيازٍ، حيث كُتبتْ فى (سياقٍ وطنى قومى، يعكسُ عظمةَ مِصرَ وتاريخَها المجيدَ، ويدعو إلى استعادةِ أمجادِها..)، وقد كُتبتْ فى مرحلةٍ زمنيةٍ، عَرفتْ فيه «مِصرُ» الاحتلالَ وتداعياتِه، وكان الشعبُ المِصرى يسعى إلى تحقيقِ استقلالِه، واستعادةِ حريتِه.
تقولُ كلماتُ القصيدةِ، أيضًا:
((أَىُّ شَيءٍ فى الغَربِ قد بَهَرَ النَّاسَ/
جَمالاً ولمْ يَكُن مِنهُ عِندي/
فَتُرابى تِبرٌ ونَهرى فُراتٌ/
و سَمائى مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ)).
تكمنُ أهميةُ القصيدةِ، من جهةٍ، فى لغتِها الرصينةِ الجميلةِ وصوّرِها الرائعةِ، وفى المشاعرِ الصادقةِ والمُؤَّثرةِ من الشاعرِ، والأملِ الذى يقدمُه لمستقبلِ مِصرَ، وطنًا وشعبًا وأُمَّةً، من جهةٍ ثانيةٍ، حتى غدتْ نشيدًا وطنيًا شعبيا قوميًا!.
ومِمَّا زادَ من انتشارِها فى الوطنِ العربى، بل وفى العالَمِ، حين تغنّتْ بها سيّدةُ الغناءِ العربى، كوكبُ الشرقِ« أمُّ كُلْثُوم»، فأثّرتْ فى وجدانِنا وقلوبِنا جميعًا، وزادتْ من حبِّنا لمِصرَ الغالية.
وقد قُدمتْ لأوَّلِ مرةٍ للجمهورِ، فى العام 1951، من أجلِ استعادةِ المجدِ والكرامةِ والحريةِ، كانتْ صوتَ العِزَّةِ والكرامةِ، صوتَ الشعبِ المِصري!.
ويُضيفُ الشاعرُ كلماتِه المُعبِّرةَ:
((أَنا إِنْ قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتى/
لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدِى/
ما رَمانى رامٍ وراحَ سَليمًا/
مِن قَديمٍ عِنايَةُ آللهِ جُندى))!.
حفظَ آللهُ مِصرَ قلبَ الأُمَّةِ العربيةِ، وأوطانَنا العربيةَ كُلَّها.
المجدُ للوحدةِ العربيةِ.