بقلم : محمد أمين
فى عصر من العصور كان عندنا رفاعة رافع الطهطاوى من طهطا سوهاج وكان عندنا على باشا مبارك من برمبال المنصورة.. وفى فترة لاحقة كان عندنا طه حسين من المنيا وعباس العقاد من الصعيد أيضا.. وكثير غيرهم من الوجه البحرى.. وكانت مصر تجود بأبنائها فى كل مكان على امتداد جغرافية مصر.. الآن أتساءل: أين مفكرو مصر ومبدعوها على امتداد الخريطة؟.. ما الذى جرى للإبداع فى مصر؟.. أين العلماء فى كل مجال؟.. هل أجدبت الأرض الطيبة؟!.
المواهب كانت مرتبطة بنظام التعليم قبل أن يفسده البعض.. تذكرت كل هؤلاء، وغيرهم وأنا أقرأ جزءا من سيرة على باشا مبارك، وسرحت بعيدا.. ولد على مبارك فى قرية برمبال الجديدة والتابعة لمركز منية النصر حاليا، والتى كانت تتبع حين ذاك مركز دكرنس محافظة الدقهلية.. تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة فى التعلم إلى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العينى، هو فى الثانية عشرة من عمره، وكانت المدرسة داخلية يحكمها النظام العسكرى الصارم!.
وبعد عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العينى، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل على مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبى زعبل، وكان نظام التعليم بها أحسن حالا وأكثر تقدمًا من مدرسة القصر العينى.. اختُيِرَ مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة فى بولاق سنة (١٢٥٥ هـ / ١٨٣٩ م)، وكان ناظرها مهندس فرنسى يسمى «يوسف لامبيز بك»، ومكث على مبارك فى المدرسة خمس سنوات درس فى أثنائها الجبر والهندسة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا، والفلك، والأراضى وغيرها!.
اختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا فى بعثة دراسية سنة (١٢٦٥ هـ/ ١٨٤٩) م، وضمت هذه البعثة أربعة من أمراء بيت محمد على: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذى صار بعد ذلك الخديو إسماعيل، ولذا عرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها، وكان مع اثنين من زملائه من المتفوقين ولم يكن له سابقة بها قبل ذلك، وبعد أن قضى ثلاث سنوات فى المدفعية والهندسة الحربية، وكان معلمه فى الحربية هو محمود مليجى وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسى فى فرنسا للتدريب ولم تطل مدة التحاقه، إذ صدرت الأوامر من عباس الأول الذى تولى الحكم بعودة على مبارك!.
وعند عودته إلى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه فى البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية، ويقوم معهما بما يكلفون به من الأعمال، فعرض على عباس الأول مشروعًا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه!
وأخيرا اقترن اسم على باشا مبارك فى تاريخ مصر الحديث بالجانب العملى للنهضة والعمران، وتعددت إسهاماته فيها.. وكان فى ذلك الزمان يمكن أن يزامل أحد أبناء الطبقة المتوسطة أبناء الباشوات دون فرق ويتفوق أيضاً!.