إطلاق نسخة علمية محققة من كتاب "تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم" لأبي جعفر الطبري

في خطوة نوعية تعكس التزامها المتواصل بصون التراث الإسلامي وخدمة البحث التاريخي، أعلنت دارة الملك عبدالعزيز عن الانتهاء من مشروع تحقيق وإصدار نسخة علمية دقيقة من كتاب "تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم"، أحد أعمدة المكتبة التاريخية العربية، وأحد أبرز مؤلفات الإمام المؤرخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وذلك بإشراف علمي من الدكتور بشار عواد معروف، وبتمويل ودعم كامل من الدارة.

يُعد هذا المشروع من أبرز المشاريع العلمية التي تُعنى بالمخطوطات التاريخية، حيث يقدم للباحثين والمهتمين بالتاريخ الإسلامي والعربي نصًا محققًا يتسم بالدقة والتوثيق، انطلاقًا من أهمية هذا المؤلف الذي وثق تسلسل أحداث البشرية منذ بدء الخليقة، مرورًا بسير الأنبياء وتاريخ الملوك، وحتى وقائع القرن الرابع الهجري، ما جعله مرجعًا أساسيًا في التأريخ الإسلامي.

وقد تولى فريق علمي متكامل، يضم نخبة من المحققين المتخصصين، وباحثين في التاريخ واللغة والمخطوطات، إلى جانب فريق فني، مسؤولية إخراج العمل بأعلى المعايير الأكاديمية والفنية. وشملت مراحل المشروع سلسلة من العمليات المنهجية الدقيقة، بدأت بحصر وجمع المخطوطات النادرة من مكتبات ومراكز بحث عالمية، بعضها لم يُنشر من قبل، ثم البدء في عملية مقارنة دقيقة بين النسخ، والاعتماد على أقدمها وأوثقها، مع مراجعة لغوية وتاريخية موسعة للنصوص.

واجه الفريق العلمي تحديات معقدة أثناء عملية التحقيق، من أبرزها صعوبة قراءة بعض النسخ المخطوطة نتيجة لتباين الخطوط وحالة الأوراق، إضافة إلى إشكالات لغوية وتاريخية تطلبت جهودًا تفسيرية دقيقة، لكن الفريق استطاع تجاوز هذه العقبات باحترافية، مقدمًا نصًا علميًا موثقًا ومدعومًا بتعليقات تفسيرية وهوامش وشروحات تساعد القارئ والباحث على فهم السياق التاريخي والمفاهيمي للنصوص.

الإصدار الجديد يتكون من عشرين مجلدًا، تشمل أكثر من 12 ألف صفحة من النصوص المحققة، إلى جانب هوامش تفسيرية وفهارس موضوعية دقيقة للأعلام، والأماكن، والمصطلحات، إضافة إلى ملاحق توضيحية وترقيم موحد يسهل الرجوع والاقتباس، مما يمنح القارئ تجربة بحثية ومعرفية منظمة ومتكاملة.

وحرصت دارة الملك عبدالعزيز على أن يكون إخراج هذه النسخة المحققة بمستوى عالٍ من الجودة الفنية، سواء من حيث التصميم الداخلي للمجلدات أو الطباعة والتجليد، في انعكاس واضح لمكانة هذا الكتاب في ذاكرة التراث الإسلامي، وكمصدر أساس في علم التاريخ.

تعتزم الدارة أيضًا المشاركة بهذه النسخة المحققة من كتاب الطبري في معرض الرياض الدولي للكتاب العام القادم، تأكيدًا على أهمية المشروع، ورغبةً في تقديم هذا العمل الكبير إلى الأوساط الأكاديمية والثقافية، وإتاحته أمام القراء والباحثين من مختلف الأجيال، بما يليق بقيمة هذا السفر الجليل في التراث العربي والإسلامي.

ويعد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المولود عام 224هـ في مدينة آمل بطبرستان، واحدًا من كبار أعلام الفكر الإسلامي، عُرف بسعة علمه وأمانته العلمية وزهده، وكان من أبرز المفسرين والمحدثين والمؤرخين في تاريخ الحضارة الإسلامية. حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم ارتحل لطلب العلم إلى البصرة والكوفة وبغداد ومصر والشام، وتلقى علومه على يد كبار علماء عصره. استقر في بغداد وألّف أعظم كتبه، ومن أبرزها "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" و"تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم"، الذي يشكل ركيزة أساسية في التراث التاريخي الإسلامي، ومرجعًا لا غنى عنه في دراسة تطور الفكر السياسي والديني والاجتماعي في العصور الإسلامية المبكرة.
بإصدارها لهذا العمل الموسوعي الضخم، تؤكد دارة الملك عبدالعزيز دورها المحوري في حفظ التراث ونقله بصورة علمية موثوقة للأجيال، وتساهم في تعزيز الوعي بأهمية المصادر الأصلية في فهم التاريخ وتوثيق الحضارة الإسلامية.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

حمدي أبو جليل يقدم "رواية أخرى في التاريخ الإسلامي"

تفاصيل معرض عمارة الحرمين منبر ثقافي يحكي قصصاً من التاريخ الإسلامي