المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة

المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة

المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة

 العرب اليوم -

المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة

بقلم: عادل درويش

«صالون الفرصة الأخيرة» قول أميركي من عام 1833 إشارة لآخر خدمة قبل أن يرحل المسافر في البراري والقفاري، ذكرني بحزب المحافظين البريطاني اليوم. هل يمكن لسفينته التي يقبطنها رئيس الوزراء ريشي سوناك، وصول ميناء الانتخابات القادمة سالمة وهي تبحر وسط ألغام بثتها صناعة الرأي العام من أخطاء نوابه، وأمواج المتاعب الاقتصادية، وثلوج صخرية تسبح في تيارات معاكسة؟

استطلاعات الرأي العام لا تبشر بأجواء ملائمة لرحلة 18 شهراً قبل الانتخابات العامة، وأمام الحزب خمسة انتخابات فرعية قريباً، نتائجها قد تساعد في ضبط بوصلة الإبحار.

فرصة الصالون الأخير هي ألا تعكس الاستطلاعات اتجاهات الأغلبية الصامتة بصدق، كما حدث ثلاث مرات في ثلاثة أعوام. أخطأت تقديرات خبراء إحصاءات استطلاع الرأي في الانتخابات عشية استفتاء «بريكست» قبل سبعة أعوام، وفي انتخابات 2019 التي انتهت بأكبر أغلبية للمحافظين منذ ثلاثة عقود وأيضاً قبل انتخابات 2017 عندما تنبأوا بأغلبية للمحافظين بزعامة تريزا ماي (2016 - 2019) فخسرت 13 مقعداً، بينما كسب العمال 30 مقعداً إضافياً، بعكس تقديرات استطلاعات الرأي التي قدرت هزيمة ساحقة للعمال.

التجارب السابقة بيّنت أن أهم أسباب خطأ تقديرات الإحصاءات في التنبؤ بنتائج الانتخابات مصدره عدم وصول وسائل الاستطلاع إلى قطاعات واسعة من الشعب، لا يشتركون في أي نشاطات ملحوظة أو احتجاجات، فقط يعبرون عن رغباتهم في صناديق الاقتراع. العامل المشترك بين الانتخابات التي أخطأت الإحصاءات في تقدير نتائجها مسبقاً هي «بريكست»، الذي كان المطلب الشعبي (ويفسر نجاح حملة بوريس جونسون الانتخابية في 2019 بشعار «فلننجز مهمة البريكست»). الانتخابات هذه المرة ستكون عن الاقتصاد والإسكان وأسعار الفائدة والوقود – لكن قد يصبح «البريكست» ورقة أخرى تغيّر حسابات جمع الأصوات، إذا وفقت زعامة المحافظين في توظيف اتجاه الناخب في كثير من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى اليمين، بينما المفوضية نفسها وسياساتها تتخندق في متاريس اليسار الليبرالي.

مثلاً صوّت الفنلنديون قبل شهرين للتخلص من رئيسة الوزراء سانا مارين (كانت مع الزعيمة النيوزيلندية السابقة جاسيندا أردان قدوة لآيدولوجية اليسار الليبرالي العالمي)، وبدأت حكومة جديدة بزعامة بيتيري أوربو من ائتلاف أربعة أحزاب يمين الوسط. وفي السويد المجاورة ائتلاف يضم أحزاب اليمين (من يمين الوسط وأقصى اليمين) منذ الخريف الماضي ومطالب بالحد من الهجرة وتراجع في سياسة الصوابية السياسة، وهناك تذمر من سياسة «معادلة الصفر في عوادم الكربون» التي ضرت بالاقتصاد، ما اضطر وزيرة البيئة (من الحزب الليبرالي) رومينا بورموكتاري، إلى التراجع عنها، وإلغاء الأهداف والخطط التي حددتها الحكومة السابقة. وتشهد هولندا حركة تمرد متزايدة ضد سياسات البيئة الخضراء والتوصل إلى معادلة الصفر البيئي؛ أما المستشار الألماني أولاف شولتز، فبدأ يتراجع عن الالتزامات البيئية بضغوط من الصناعات الهندسية والسيارات، وهي الأكبر في أوروبا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلح على المفوضية الأوروبية لإعادة النظر في لوائح التحول الأخضر، بينما أحزاب الخضر تتراجع في الانتخابات في أنحاء أوروبا كافة. أحزاب اليمين، سواء التقليدية كحزب التجمع القومي بزعامة ماريان لوبين في فرنسا، أو الجديدة (الشعبوية) مثل «أي إف دي» (البديل لألمانيا، ويناهض الفيدرالية الأوروبية) تتقدم، لأنها تقدم أفكاراً وسياسات جديدة أقرب لحاجة الناس الذين تتجاهلهم الأحزاب الليبرالية التقليدية.

المفارقة أنه بعد «بريكست»، كانت بريطانيا هي البلد الوحيد الذي لم تنمُ فيه أحزاب يمينية أو بآيدولوجيات غوغائية شعبوية.

تيار اليمين الذي نجح في إتمام «بريكست» أصبح أقلية داخل حزب المحافظين، إذ تعرض أنصار جونسون لتصفية سياسية بعد أن استهدفتهم أوليغارشية صناعة الرأي العام، ضمن قوى وتيارات مختلفة لم تكف عن حملتها منذ استفتاء 2016 بهدف العودة (من الباب الخلفي) إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي، وهي الهدف المشترك (مصادفة أكثر منها تآمراً مقصوداً) لهذه القوى وإن تنوعت مصالحها. ولا تزال تلعب دوراً أساسياً في تغيير الرأي العام لتخفيض شعبية المحافظين، وانتخاب حكومة جديدة تتخلص من إرث جونسون و«بريكست». وكل الفضائح (وهي رمزية أخلاقية لا علاقة لها بهموم واحتياجات الناخب العادي) سربتها أطراف من «الدولة العميقة» إلى صحافة يسارية مناهضة لـ«بريكست»، وانتهت بالمحافظين إلى التخلص من جونسون، الزعيم الوحيد الذي كان قادراً على الفوز في الانتخابات، والانتهاء بالتكنوقراطي سوناك أخصائي المال والاقتصاد ذي الرؤية والطموحات العالمية؛ لكنه لا يمتلك عوامل كالكاريزما والبلاغة وخفة الدم التي زادت من شعبية جونسون الانتخابية.

سوناك في صالون الفرصة الأخيرة أمامه تعديلات زعماء ألمانيا وفرنسا وحكومات وسط أوروبا وفنلندا والسويد التي أدارت ظهرها لضغوط التيارات الليبرالية، واستجابت لحاجات الطبقات الشعبية الصامتة.

ويمكن للمحافظين طرح برامج انتخابية لصالح الطبقات الأقل حظاً، ويتطلب ذلك تحدي الأقلية اليسارية المسيطرة على صناعة الرأي العام بشجاعة؛ والمراهنة على أصوات الأغلبية الصامتة التي ضاقت ذرعاً باحتجاجات الشرائح المرفهة وضرائب البيئة على الطبقات العاملة (كما ظهر من تحطيم الأهالي كاميرات مراقبة تفرض رسوم «الهواء النظيف»). وهي الفرصة في كسب الانتخابات المقبلة بأغلبية متواضعة؛ وإذا خسر سوناك الرهان؟ يقتدي بتوني بلير أن يتبوأ موقعاً على المسرح الدولي.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة المحافظون في صالون الفرصة الأخيرة



GMT 07:17 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

جامعات أمريكا وفرنسا

GMT 07:22 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 07:28 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 01:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الثالثة غير مستحيلة

GMT 00:33 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

بريطانيا... آخر أوراق المحافظين؟

GMT 07:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 00:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 07:21 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نجح الفنان وفشل الجمهور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab