رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي»

رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي»

رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي»

 العرب اليوم -

رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي»

بقلم - عادل درويش

التلويح أمام الناخب البريطاني بسياسات اقتصادية تعطي الانطباع بمنطق «العدالة الجماعية» (أو المجتمعية)، ورقة أخيرة يلعبها المحافظون في محاولة يائسة لتجنب خسارة الانتخابات العامة بعد بضعة أشهر.

حكومة المحافظين بزعامة ريشي سوناك، تتعثر وراء المعارضة العمالية بزعامة السير كيير ستارمر بـ17 في المائة في استطلاعات الرأي التي سبقت إجازة أعياد الميلاد.

زعماء المحافظين، في محاولة التعلق بقشة الاقتصاد وسط أمواج بحر الرأي العام، يراهنون على الانطباع المتوارث اجتماعياً في بريطانيا بأن سياسات المحافظين الاقتصادية والمالية أفضل من سياسات العمال الاشتراكية، في محصلة متوسط مائة عام منذ تولي أول زعيم عمالي، رامزي ماكدونالد (1866 - 1937)، رئاسة الحكومة، بمساعدة حزب الأحرار، في 1924.

مزج الاقتصاد بالانطباع بأن المحافظين يسعون لمزيد من العدالة المجتمعية بين الأفراد، يمنحهم بعض الأمل من استطلاعات الرأي نفسها (مؤسسة إيبسوس في 20 ديسمبر/كانون الأول) لتقارب نسبة الناخبين الذين يثقون بالزعيم العمالي ستارمر (دون 30 في المائة) مع الذين يثقون برئيس الحكومة سوناك (22 في المائة)، بينما يضع مخططو دعايته الانتخابية في الاعتبار أنه كان وزيراً للمالية أثناء إغلاق وباء «كوفيد»، عندما منح إعانات نقدية سخية للمتعطلين عن العمل.

وهذه الحسابات، كجزء من محاولتهم اليائسة، تراهن على مفهوم البريطانيين للعدالة في المجتمع.

فالسعي إلى العدالة شعور غريزي لدى الأفراد، وبدوره يتكون في الفكر الجماعي كمطلب يسعى إليه المجتمع، ويصبح، في كثير من الأحوال والمجتمعات، ملمحاً قومياً جماعياً للشعب. الملامح المشتركة بين البريطانيين كأفراد، تجعلهم من الشعوب التي تتكرر ملامح الشخصية الفردية فيها على المستوى القومي الجماعي، لدرجة أن مخرجي أفلام هوليوود يصممون شخصية البريطاني نمطية في تصرفاتها وملامحها وردود فعلها.

ما أقصده هنا بالشعور الغريزي بالعدالة عندما تكون مشتركة بين مجموعة كبيرة، يختلف عن العدالة من المنظور القانوني الذي تتراوح وتتعدد مقاييسه وموازينه، حسب المجتمعات وحسب تطورات وتعديلات القانون في مراحل زمنية مختلفة؛ وبدورها تختلف عن العدالة من منظور الأديان والعقائد؛ وربما الأقرب للتعريف المقصود هو «العدالة المجتمعية» (أو الجماعية) كي أفرقها عن «العدالة الاجتماعية» التي ظهرت شعاراً للنظم الاشتراكية لتبرير الاستيلاء على الممتلكات أو سيطرة النظام الحاكم (الدولة عند البعض) على المنشآت والمؤسسات الاقتصادية وإدارتها.

المبادرة الاقتصادية للمحافظين قبل حملة الانتخابات، جاءت بتسريب مصادر الخزانة معلومات بشأن بعض التعديلات الضرائبية في ميزانية العام المقبل، عندما يقدمها وزير المالية جيرمي هانت للبرلمان في السادس من مارس (آذار) 2024.

أهم التعديلات احتمال إلغاء ما يعرف بضريبة الميراث أو تخفيضها إلى النصف. حالياً يدفع ورثة المتوفى أربعين في المائة من قيمة التركة بعد إعفاء ما يساوي 414 ألف دولار.

مصلحة الضرائب البريطانية حصلت ضرائب تفوق ما يساوي ستة مليارات دولار في هذا العام، وهي نقطة في بحر مقارنة بما حصلته المصلحة في العام، وهو أكثر مما يساوي 656 مليار دولار. فلماذا يراهن المحافظون على زيادة شعبيتهم بهذا المبلغ الضئيل؟

السبب أنه يبدو عدلاً جماعياً له تأثير إيجابي على المجتمع، رغم أن أربعة في المائة فقط من دافعي الضرائب سيستفيدون بهذا التعديل. فالقيمة الكبرى للتركات تكمن في العقارات الإسكانية، ومعروف أن «بيت الإنجليزي قلعته»، وما يبدو ظلماً تكرار تحصيل الضريبة على الجنيه نفسه. فالمقدم والأقساط التي دفعها مالك العقار، اقتطعت منها الضرائب عدة مرات: ضريبة الدخل عند الحصول على المال، كما دفع أيضاً التمغة (ضريبة الرسوم) عند الشراء وأخرى عند التسجيل في الشهر العقاري، ودفع ضريبة القيمة المضافة على تكاليف المعدات عند إجراء الإصلاحات والترميمات التي زادت من قيمة العقار.

واستمراراً في ترويج العدالة كما يراها الإنجليزي من قلعته المنزلية كمراهنة على السيكولوجية الجماعية، يدرك المحافظون أن الارتفاع غير المسبوق في أثمان العقارات بسبب زيادة الطلب بزيادة عدد السكان وانخفاض العرض، أي المساكن المتاحة، مع غلاء المعيشة الذي يحول دون تمكن الأجيال الشابة من ادخار مقدم ثمن المسكن الذي يشتريه الساكن بالتقسيط على عشرين عاماً أو أكثر، هو من أسباب تفاقم أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات، وهي أزمة لم تعانِ منها الأجيال الأكبر سناً. وبالطبع يبدو عدم التوازن بين الأجيال في الإسكان غياباً للعدالة.

وزير المالية يريد إعادة إحياء مشروع توفير مقدم شراء المنزل السكني للشباب بقرض طويل الأمد بسعر فائدة (1.75 في المائة) ثلث سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي (5.25 في المائة)، بشرط شراء مساكن حديثة البناء. هذا سيخلق رواجاً في قطاع بناء العقارات الإسكانية ووظائف جديدة متعلقة به.

تحرك المحافظين في هذا الاتجاه يقصد به الانطباع الذي تتركه السياسة لدى الناخب والرأي العام: فخلق وظائف جديدة وبناء مساكن جديدة يتكفل بها القطاع الخاص وليس دافع الضرائب يلقيان، في أغلب الأحوال، ترحيباً من السلطة الرابعة، وبالتالي الرأي العام، وهو ما يراهن عليه المحافظون بزعامة سوناك، خصوصاً إذا واكب ذلك خلق الانطباع لدى الرأي العام بقرارات العدالة الجماعية في تعديل ضريبة الميراث. فهل يكسب المحافظون الرهان؟

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي» رهان المحافظين على «قلعة الإنجليزي»



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab