المساعدات والهيمنة

المساعدات والهيمنة

المساعدات والهيمنة

 العرب اليوم -

المساعدات والهيمنة

بقلم : د. آمال موسى

ما يحدث بين الأشخاص ينسحب بشكل كبير على ما يحصل بين الدول أيضاً. فالشخص الواقع في محنة الدين يتميز بالضعف حتى لو حاول إخفاء ذلك أو نكرانه. فميزان القوى بين الدائن والمدين يعلو لصالح اليد العليا. وكما نعلم اليد العليا خير من اليد السفلى. والشيء ذاته في العلاقة بين من يقدم المساعدة ومن يحتاج إليها.

لا يعني هذا أن الحاجة تُضعف صاحبها آلياً، لكن بشكل عام خصوصاً إذا لم تتوافر في صاحب الحاجة كوامن نفسية وإرادوية تمكّنه من الخروج من نفق المحتاج (بغض النظر عن طبيعة الحاجة مادية أم معنوية)، فإن المحتاج هو ضعيف إلى أن يغادر ضعفه.

ومشكلة اليد السفلى أنها بذلك الموقع الذي اختارته أو وجدت نفسها فيه هي يد ليست حرة في قراراتها واختياراتها وحركتها محتشمة جداً. نبرة الشخص المحتاج الذي يمد يده طالباً المساعدة كثيراً ما تكون منخفضة.

هذا حال الشخص، فما بالنا بحال الدول والعلاقات الدولية التي تقوم على الهيمنة وميزان القوى والكلمة للأقوى. فالدول، سواء الفقيرة أو التي في طريق النمو تؤمّن مصاريفها في جزء ما من المساعدات الدولية، وهي دول منخفضة النبرة في ساعات الجد والاختيار الصعب. لذلك؛ يمكن القول من دون مبالغة إن المساعدات الدولية التي تلتزم بها الدول الكبرى تجاه الدول المحتاجة هي شكل من أشكال الهيمنة المقنعة والمخفية. ولا يخفى أن الهيمنة هي المرادف الحديث لمعنى الاستعمار ومظاهره وأسبابه.

طبعاً، من المفروض أن المساعدات هي آلية دعم ومحاولة لتحقيق السلم والأمن في العالم. بل إنه من مصلحة الدول الغنية والقوية تقديم المساعدات والأخذ بيد الدول المحتاجة من دعم ومساعدات؛ لأن ذلك يندرج ضمن أمنها القومي بكل بساطة. ولا يفوتنا أن من الأسباب القوية التي جعلت من الدول الغنية قوية أنها استثمرت في الأسلحة وفي النووي والكيميائي، وكل هذا دمر الطبيعة في كوكب الأرض وجعل الحياة صعبة بسبب تغيرات المناخ التي أثرت على الصحة والزراعة والغذاء؛ وهو ما يعني باختصار أن المساعدات هي في الحقيقة نوع من التعويض التافه والصغير جداً عمّا لحق بالدول غير المنخرطة في التسليح واستعمال المواد الكيميائية من خسارات وضرر مادي وصحي ولخبطة حقيقية سببها تغير المناخ واستحقاقاته الكبيرة جداً.

لكن مع الأسف، المساعدات الدولية بدلاً من أن تكون تعويضاً قابلاً للازدياد أصبحت أداة هيمنة وتوجيه للمواقف الدولية وآلية لبث الخوف في الدول وحرمانها من التعبير عن سيادتها من خلال قرار حر.

في هذا الإطار من فهم المساعدات نضع الأسئلة والمخاوف التي عبَّر عنها كثيرون عندما صرحت مصر برفضها المشاركة في ظلم الفلسطينيين من خلال الانخراط في تهجيرهم. فالأصوات تعالت متسائلة عن رد فعل الولايات المتحدة بعد التصريح بموقف مثل هذا رافض لدعوة الرئيس الأميركي ترمب.

في هذا السياق، من المهم التذكير بصراحة بأن القضية الفلسطينية هي أكبر خاسر من المساعدات الفتات، حيث اضطرت دول كثيرة إلى تقديم تنازلات عبر تاريخ القضية من أجل المحافظة على المساعدات التي كانت مشروطة سراً وجهراً. وباعتبار أن هذه المساعدات رغم هزالها أصبحت من العناصر الأساسية في ضبط الميزانيات وتعتمد في تقدير الحد الأدنى من المعاش الشعبي، فإن أصواتاً عدة كانت ترى فيها مصلحة وطنية لا يجب المساس بها.

ولو قمنا بجردة للمساعدات الدولية ولاحظنا متى تُمنح ومتى تتأخر، وما الدول التي ترتفع فيها المساعدات والأخرى التي تظل على حالها، سنجد بسهولة تامة الربط الصارخ بين هذه المساعدات والمواقف السياسية. والمشكلة أنها مساعدات فتات يطالبون في مقابلها بمواقف ثقيلة جداً.

لذلك؛ فهي ليست مساعدات بقدر ما هي عربون لضمان موقف على مقاس الدول المانحة. ونعتقد ورغم كل المشاكل الاقتصادية الراهنة، فإنه يمكن لكل دولة تتمتع بهذه المساعدات شطبها من التقديرات الخاصة وتعالج مشاكلها من دون احتسابها؛ لأن تكلفة المساعدات الفتات لا تقدر بثمن وغالية جداً بكل المعاني.

إنّ الحل في التكتلات الاقتصادية العربية والتعويل على الذات وإعلاء قيمة العمل وتقدير أي نقطة عرق عربية للإنسان العربي، بشكل ينمي المشاعر الوطنية والذود عن المصلحة الوطنية.

لا شك في أن هذا الخطاب ليس رفضاً للانفتاح الدولي، ولكن آن الأوان كي نسمي الأشياء كما هي: المساعدات التي تخنق وتمس الحد الأدنى من الشعور بالسيادة الوطنية إنما هي قيد يجب أن ينكسر.

arabstoday

GMT 13:30 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

المشهد من موسكو

GMT 13:27 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

طارق السويدان وزمان «الإخوان»

GMT 13:24 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار مر من هنا

GMT 13:21 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

هل ما زالت الثقافة مهمة؟

GMT 13:19 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

لبنان دولة للضيوف لا لأهلها

GMT 13:17 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

الفلسطينيون... مأزق السلاح والسياسة

GMT 13:15 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أم كلثوم و«الست» منى زكي!

GMT 13:12 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

«أم كلثوم» فى «البحر الأحمر»!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المساعدات والهيمنة المساعدات والهيمنة



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:08 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان
 العرب اليوم - غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان

GMT 08:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:47 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:26 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:43 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:51 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:29 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:49 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:43 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:40 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab