بقلم : مشاري الذايدي
جائزة، بل جوائز «نوبل»، حدثٌ مثيرٌ في كل دورة من دوراتها، بخاصّة في جائزتي السلام والأدب، بسبب أن السياسة والثقافة، دوماً، محلّ جدال وانقسام، والعلوم المحضة أسلم منهما في ذلك.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرى أنّه جديرٌ بنيل هذه الجائزة الدولية الراقية، للسلام، فهو مُنهي الحروب، كما يقول، بينما يقول بعض القائمين على الجائزة إنّه من المُبكّر منح ترمب الجائزة، حتى نتأكد من حصاد سياساته للسلام العام المُقبل، هكذا قالوا... وليتهم استحضروا هذه الأناة والحكمة حين منحوا الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه الجائزة بعد برهة يسيرة من وصوله للبيت الأبيض، أو حين منحوا الناشطة الإخوانية اليمنية توكّل كرمان هذه الجائزة... نظير ماذا؟! لا ندري.
بالعودة للجائزة في جانبها الأسلم من الجدل والقيل والقال، أعني الجانب العلمي، فقد كان طريفاً أن يعجز القائمون على الجائزة عن التواصل مع العالم الأميركي فريد رامسديل الفائز بجائزة «نوبل» في الطب... حيث كان الرجل منقطعاً عن العالم في براري أميركا!
لكن الخبر الأجمل، بالنسبة إليّ، كان حصول عالم الكيمياء، عمر ياغي، على الجائزة بالشراكة من اثنين من العلماء بالمجال نفسه، تقديراً لـ«تطويرهم أطراً معدنية عضوية».
ياغي جذره فلسطيني، ثم أردني، ثم سعودي، ولديه الجنسية الأميركية طبعاً. وُلد في عمّان عام 1965، درس فيها حتى الثانوية، ثم انتقل لكلية مجتمع هدسون فالي في الولايات المتحدة، ليكمل دراسته في جامعة ألباني، قبل أن يحصل على شهادة الدكتوراه في الكيمياء في سنٍ مبكرة عام 1990 من جامعة إلينوي.
حصل على الجنسية السعودية عام 2021، كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الكيمياء (2015)، وجائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز الدولية في مجال المياه، وحصل عام 2017 على ميدالية امتياز من الدرجة الأولى من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
هذا الرجل العالم الذي ينفع البشرية بعلومه، هو محلّ افتخارٍ أردني - سعودي، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وهذه هي قيمة العلم ومكانته، فالمجد للعلم والعلماء.
العلم يرفعُ بيتاً لا عِماد له والجهلُ يهدم بيت العزّ والشرفِ
هذه الحكاية الرائعة والرحلة المُلهمة لهذا الإنسان الذي نشأ فقيراً في حي من أحياء عمّان الأردنية، ثم صار مرموقاً من أعلام العلم والعالم... تُكرسّ قِيماً نبيلة، منها نبذ الشوفينية الغوغائية الضارّة، والتقوقع الجاهل على الذات.
تحدّث الدكتور عمر ياغي، العالم السعودي - الأردني، في ندوة عُقدت بجامعة استوكهولم، مايو (أيار) 2019 لجمعٍ من الطُلاّب، وممّا قاله فيها: «عندما كنت في هذا العمر، نحو العاشرة، دخلت مكتبة كان من المفترض أن تكون مغلقة، وعشت بين الكتب، ووجدت هذه الأنواع من الرسومات - التي عرفت لاحقاً أنها جزيئات - ولسبب ما، سحرتني! لم أكن أدري أنني سأقضي بقية حياتي في التعامل مع الهياكل الكيميائية».
الرحلة الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة.