آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ

آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ

آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ

 العرب اليوم -

آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ

بقلم : تركي الدخيل

لم يحتلّ مَوضُوعٌ منَ المَواضيعِ في الشّعرِ العَرَبِيّ ما احتلَّهُ موضوعُ الشّيبِ والشَّبابِ فِي دِيوانِ العَربِ، فكانَ مِنْ ذلكَ قولُ أبِي الطَّيبِ المُتَنَبّي، رَحمهُ اللهُ، فِي بَيتِهِ:

آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ فَإِذَا ولَّيَا عَنِ المَرْءِ ولَّى

واعتبرَ المُتَنَبّي الصَّحَةَ والشَّبَابَ آلةَ العَيشِ، يُريدُ أنَّهمَا مَا يَجعَلُ العَيشَ مُستساغاً، مَحبوباً، مُستحسَناً ولذيذاً!

هَلْ قُلْتُ: لَذيذًا؟! لَعَلّيَ نَقلْتُهَا مِنْ شَاعِرنَا!

وَكَانَ ابنُ جِنّي، شَيخُ العَربِيَّةِ، أبُو الفَتحِ، لَا يُسمّي المُتنَبّي إلَّا شَاعرَنَا...

وَكَانَ فَيلسُوفُ المَعرَّةِ، أبُو العَلَاءِ المَعَرّي، لَا يُسمّي المُتَنبّي إلَّا: الشَّاعرَ. يَقولُ: قَال أبُو نُوَاس، قَالَ البُحتُرِي، قَالَ حَبِيب (أبو تمَّام)، فإذَا أرَادَ الحَديثَ عَنِ المُتَنَبّي، قَالَ: قَالَ الشَّاعِرُ.

كَانَ الشَّاعِرُ، الشَّاعِرُ، فِي أبْيَاتِهِ يَشرحُ لنَا أنَّ الشَّيخَ الكَبيرَ لا يُعَبِّر بِتَأفُّفِهِ عن مَلَلِهِ مِنَ الحَيَاة، بِقدرِ ما يُعَبِّرُ عَنْ مَللِهِ منَ الضَّعفِ الَّذِي يلازِمُ الشَّيخوخةَ والتَّقدمَ فِي الحَياةِ، وذَلكَ بقولِهِ:

وإِذَا الشَّيخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَلْـ ــلَ حَيَاةً وإنَّمَا الضَّعْفَ مَلَّا

ومثلُه قَولُ لَبيد:

ولَقدْ سَئِمتُ مِنَ الحَياةِ وطُولِهَا

وَسُؤالِ هذَا النَّاسِ كَيفَ لَبِيدُ

أمَّا كونِي أَخذتُ لذيذاً من الشَّاعرِ، أبِي الطَّيبِ، فَهوَ قَبْلَ البَيتِ السَّابقِ، يقولُ:

ولَذِيذُ الحَيَاةِ أَنْفَسُ فِي النَّفْ ــسِ وأَشْهَى مِن أَنْ يُمَلَّ وأَحْلَىفالحياةُ الّلذيذةُ، الجَميلةُ، المُستطابةُ، نَفيسةٌ فِي النَّفسِ، والنَّفيسُ هوَ النَّادرُ المُستحبُّ، وهيَ شهيَّةٌ تتطلَّعُ لهَا النُّفوسُ، بل شَهيَّةٌ لِدرجةِ أنَّهَا أشهَى مِنْ أنْ يَملَّهَا أحدٌ، وهيَ حُلوةٌ مَرغوبةٌ.

الحياةُ الحُلوةُ مرغوبةٌ، حتَّى للشَّيخِ الكبيرِ، ولذلكَ فَالشَّيخُ لا يتأفَّفُ منَ الحَياةِ، بل يتأفَّفُ من الضَّعفِ، الذِي يُفسدُ عليهِ استطابتَه للذيذِ الحَياةِ.

وهذَا المَعنَى الدَّقيق، مِنْ لَطائفِ وَقفاتِ أبِي الطَّيّبِ الذَّكيةِ، التي تُظهرُ عمقَ وقوفِه الذَّكِيّ عَلَى المَعانِي الجَليلةِ، والأَفكارِ الجَميلةِ، وهوَ ممَّا يَندرُ أنْ تجدَهُ عندَ غيرِ المُتَنَبّي.

والإنسانُ جاءَ إلى الدُّنيا صَغيراً، فوهبتْهُ الدُّنيا مع الأيامِ آلةَ العَيشِ: الصّحةَ والشبابَ، فلمَّا شاخَ وكبرَ، حَدثَ مَا لمْ يتوقَّعْهُ الإنسَانُ، وعبَّرَ عنهُ المُتَنَبّي، بقولِهِ:

أَبَداً تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنْـ ـيَا فَيَا لَيتَ جُودَهَا كَانَ بُخْلَا نعم...استردَّتِ الدُّنيَا هبتَهَا، بل ذكرَ شاعرُنا أنَّ الدُّنيَا أبداً؛ أيْ: علَى الدَّوامِ تَفعلُ ذلك، فَتستَرِدُّ مَا تَهَبُ.

ولقدْ بلغَ من صعوبةِ إعادةِ هذهِ الهِبَةِ، التِي وهبتْهَا الدُّنيَا للإنسانِ، أن تمنَّى الشَّاعرُ، بقولِه: (فيَا ليتَ)، أنَّ هذهِ الهِبَةَ التِي أقرَّ بأنَّهَا جودٌ من الدُّنيَا... ليتَ، جودَ الدُّنيَا بهَا كانَ بخلاً، فلمْ تهبْهَا منَ الأصْلِ؛ كَيْ لَا تَسترِدَّ هبتَهَا.

وهذَا يعنِي أنَّ الاستمتاعَ بهبةِ الدُّنيا (الصّحةِ والشَّبابِ)، ثم استرداد الدُّنيَا لهمَا من الإنسانِ، أسوأ من عدمِ الحُصولِ علَى هبةِ الدُّنيا أصلًا، فهوَ تمنَّى أنَّ هذه الهِبةَ والجودَ كانَا بخلًا، ولا يكونانِ بخلًا إلَّا بألَّا تحصلَ الهِبةُ.

فهوَ يتمنَّى ألَّا يتحصَّلَ علَى الصّحةِ والشَّبابِ، علَى أن يحصلَ عليهمَا ثم تَجري استعادتُهمَا منه!

دَامَتْ لَكمُ الصّحةُ والشَّبابُ.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ آلَةُ العَيشِ صِحَةٌ وشَبَابٌ



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:38 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة

GMT 01:53 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
 العرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 09:06 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يوقف حفله في دبي بسبب نيللي كريم وأحمد السقا

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 20:43 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في أميركا

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab