في مدح الكرم

في مدح الكرم

في مدح الكرم

 العرب اليوم -

في مدح الكرم

بقلم:تركي الدخيل

الكَرَمُ فضيلةٌ محمودةٌ في كلّ ثقافات العالَم، وهي موضوعٌ لحكايات كثيرة تتناقلها الأجيال فيما بينها، كأنّما السابقُ يوصي بها اللاّحقَ. ولم تخلُ الثقافة العربيّة من مديح هذه الفضيلة، حتى إنَّك تجد فيها كرماً في مديح الكرَمِ.

فمن جميل شِعْر المتنبي، وعامّةُ شِعره جميلٌ، قولُه مادحاً سيف الدولة:

أَنتَ الجَوادُ بِلَا مَنٍّ ولَا كَدَرٍ ولَا مِطالٍ ولا وعْدٍ ولَا مَذَلِ

وهو إذْ يمدح جودَ سيف الدولة، لا ينسَى حرصَه على تأكيد أن كرمَ الممدوح لا تُخالطه مِنّة، ولا يشوبه كدرٌ، ولا مطالٌ، ولا وعدٌ، ولا مَذلٌ.

قال البرقوقي: «مننتَ على فلانٍ: إذا كدّرتَ صنيعتَك، بتعديدِها له، كأن تقول له: أعطيتك كذا، وفعلتُ لك كذا... والمِطَال - بكسر الميم - المماطلة».

وفي «أمالي ابن الشجري» أنَّ في معنى «المَذَل» قوليْن: «أحدهما أنَّ معناه القلق، يقال: مذلت من كلامك أي قلقت، ومذل فلان على فراشه إذا قلق فلم يستقر، والقول الآخر البوح بالسر، يقال: فلان مذل بسره وكذلك هو مذل بماله، إذا جاد به».

وهو ما يعني أن المتنبي ينفي عن ممدوحه كلَّ الشوائب التي قد ترافق جُودَه، فتعكّر صفوَه، وتكّدر جمَاله.

ويكون بعضُ هذه الشوائب قبل الصِّلة، والبعض الآخر بعدها؛ من ذلك أنَّ المطال والوعد يكونان قبل العطاء، والأغلب أنَّ الوعد المنجَز بالكلام، يُقصَد به زيادةُ تشوُّف المُعطَى إلى النَّوال، وتعلّقه بالواعد، وتُفيد المماطلة تمديدَ هذا التشوف، ويحقّقُ التعَلّق ربحَ مزيدٍ من الوقت.

وقد شرح العكبري معنى هذا البيت بتأكيده أنَّ المتنبي رام القولَ: «أنتَ جواد بلا مَنٍّ يُنقص جودَك، ولا كذبٍ يعارض فضلك، ولا مطلٍ ينازع في ذلك، ولا عدّة ولا تأخير، ولا فترة ولا ضجر. والمعنى: أنه إذا كثر معروفُه كتمَه، ولم يبح به، لأن الأصل في المذل: النزوح بالسرّ، فنفى ذلك عنه، وهو من أحسن الكلام».

وما ثناكَ كلامُ الناسِ عن كرمٍ

ومَنْ يسدُّ طريقَ العارضِ الهطِلِ

والمراد به هنا، هو قول المتنبي لسيف الدولة، إنَّ ما حدّثك به الناسُ عنّي، لم يُفسد ما بيني وبينك من الودّ، ولم يمنع عنّي كرمَك.

ثم هو يُعقِّب على الحقيقة السابقة، بتبريرها؛ فمَن باستطاعته أن يكونَ سداً في طريق العارض، وهو السحاب، الهطل، أي المتتابع والكثير المطر؟

والتساؤل يحمل في طياته جوابه، وهو: لا أحد يمكنه ذلك.

ومثلما لا يمكن لأحدٍ، أن يسدَّ طريق السّحاب، فلا يمكن لكلام الناس أن يمنعك عن كرمٍ هو متجذِّرٌ فيك، سجيةً وطبعاً.

وظاهر احتفاءُ المتنبي بفضيلة الكَرَم، بل إننا نجده كريماً في مدح كَرَم الممدوح، لأنه يرى في الكَرَم سلوكاً نبيلاً، يجدر بصاحبه ألا يخدشه بمكدّرات مثل المنٍّ والمماطلة، فالجودُ شبيهٌ بالمطر الغامر، يُحيي ويشفي، وهل مثلُ الغيثِ سقاءً ورواءً وإحياءً؟!

 

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مدح الكرم في مدح الكرم



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab