سيد الأمم المتحدة

سيد الأمم المتحدة

سيد الأمم المتحدة

 العرب اليوم -

سيد الأمم المتحدة

بقلم : سمير عطا الله

أمضى عبد الله بشارة عقداً كاملاً مندوباً دائماً لدولة الكويت في الأمم المتحدة. وعندما سئل ذات مرة لماذا اختار الأمم المتحدة بدل سفارة بلاده لدى اليابان قال: «كون المنظمة بيت الخطب ومسكن المفردات ومنبع التعريبات ومكنة لصياغة العناوين المثيرة، ومنها خرج خطباء العالم. جاء منها محمد ظفر الله خان، وزير خارجية باكستان، محامياً بارعاً ضد تقسيم فلسطين عام 1947، وكريشنا مينون، ممثل الهند في الأزمات وصديق نهرو، خطيباً فصيحاً مدافعاً عن مصر في حرب السويس، واستمر فيها أبا إيبان، سفير إسرائيل ثم وزير خارجيتها في مرافعاته عن موقف إسرائيل عام 1967؟ وفيها وزير خارجية لبنان والدكتور فؤاد مالك، وأحمد الشقيري، وكثيرون من عرب وغيرهم، تناغموا مع إيقاعات الأمم المتحدة».

شهدت هذه المؤسسة الكبرى الكثير من رجالات العرب منذ قيامها قبل ثمانين عاماً. وفي كتاب حديث للمؤرخ محمد بن عبد الله السيف، يسمي السفير جميل البارودي «سيد الأمم المتحدة». قد يبدو في التسمية شيء من المبالغة لأن من الصعب جداً أن تعثر على سيد واحد لمنظمة في هذا العمر، وهذا الاتساع.

لكن المؤرخ لا يتوقف عن البحث عن الدلائل والبراهين التي تثبت وجهة نظره. وثمة اتفاق عام لدى الذين عملوا في المنظمة الدولية، عن قرب أو عن بعد. بعدما بأن ذلك الرجل الفائق القدرة والصبر والمعرفة، كان نسيج وحده بين الدبلوماسيين جميعاً.

كان جميل البارودي لبنانياً مسيحياً وقد تعرف مبكراً في نيويورك إلى الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي تولى وهو في سن مبكرة، السياسة الخارجية للمملكة. فكر الملك في تعيين مندوب دائم لبلاده، الحاملة يومها شعلة القضية الفلسطينية، ورأى في البارودي النموذج الذي يبحث عنه في الشجاعة، والصدق، والبلاغة، وكل ما يتطلبه المنصب الذي كان يعتبر آنذاك جزءاً من واجب عربي جوهري.

طوال ثلاثين عاماً تغير مندوبون كثيرون على منصة الأمم المتحدة، وبقي البارودي في مكانه ومكانته، غالباً ما تجمهر حوله الضيوف يستمعون إلى خطبه الطويلة. أو «يتفرج» عليه المندوبون وهو يقارع مندوب إسرائيل مخاطباً إياه مرة بعد مرة: «اخرس. اصمت».

كتب أحدهم في السبعينات يصف البارودي في قاعة الجمعية العامة:

«عندما كان جميل البارودي يتجه إلى منبر مجلس الأمن، كان المندوب الأميركي يتوتر، والمندوب الإسرائيلي يحتقن. فالرجل البسيط المظهر، ذو النظارتين الطبيتين البسيطتين، سوف يلقي خطاباً طويلاً ومريراً. لن يتوقف عند شيء. يدخل من باب تاريخي ويخرج من آخر. يحلل حدث الصباح، ويستنكر حدث المساء. ولا يجد مندوب إسرائيل ما يقوله سوى أن «مندوب السعودية الدائم، رجل معادٍ للصهيونية».

حمل البارودي القضايا العربية على كتفيه، والقضية الفلسطينية في جفنيه. رفع هذا المسيحي اللبناني راية الإسلام، وظل يلوح بها حتى يومه الأخير. وعندما توفي، مات حيث عاش طوال عهده كدبلوماسي في هيئة الأمم: غرفة بسيطة في أحد فنادق نيويورك الشديدة البساطة».

كاتب هذا الكلام الذي ينقله بأريحية الأستاذ محمد بن عبد الله السيف، هو محبركم، أيام ذلك الزمن المثير بين قاعات المنظمة. ولا أخفي أن الكتاب على سلاسته وأسلوبه السهل، هو في الوقت نفسه عمل جدي من البحث والتأريخ. وبرغم عنوانه الشخصاني فهو درس شيق من دروس التاريخ العربي المعاصر.

وإذ نتطلع اليوم إلى العقود الأربعة الماضية نجد أن أهمها على الصعيد الدولي، كان تلك الأحداث التي رافقت مهمة البارودي ورافقها. ومن الصعب أن نجد بين المندوبين العرب شخصية نقارنه بها وبصلابته وتعففه، وبعده عن الحالات الاجتماعية وتبذير الوقت.

أن يؤرخ كاتب سعودي لسيرة البارودي، ففيه أيضاً شهادة على وفاء الرجل الذي أمضى كل تلك العقود في كنف فيصل بن عبد العزيز، أحد أبرع صناع السياسة والدبلوماسية العربية.

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيد الأمم المتحدة سيد الأمم المتحدة



نقشات الأزهار تزين إطلالات الأميرة رجوة بلمسة رومانسية تعكس أناقتها الملكية

عمّان - العرب اليوم

GMT 11:05 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

شيرين عبد الوهاب أمام القضاء بتهمة السبّ والقذف

GMT 03:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab