بقلم:سمير عطا الله
يصل دونالد ترمب إلى الصين؛ «ضرته» في آخر العالم، وهو لم يستخدم بعدُ كلمة واحدة من اللغة السياسية أو الدبلوماسية المألوفة في العالم. ليس في التاريخ الأميركي رئيس شبيه له... لا يتردد لحظة في التهديد بـ«قتل» حماس، لكنه ينجح في وقف إبادة غزة. يدعو إلى قمة مع بوتين في بودابست، ثم تُلغى القمة كأنها دعوة إلى غداء، لا حدثاً تاريخياً.
ينجح ويخفق... ويكرر، ويغضب ويفرح، ويعادي ويصالح، ويهدد ويسامح... على وتيرة واحدة. ليس عليه أن يتبع الأصول المعروفة، بل على الجميع أن يتعلموا دروسه. هو لا يملك الوقت... هو مشغول في موضوع الصحراء، وفي قضية بوليفيا، ومسافر إلى القدس، وراقص أمام مستقبليه في ماليزيا، متجاهلاً جميع عادات البيت الأبيض، وجاعلاً من «خصوصية» المكتب البيضاوي عرضاً صاخباً بلا توقف.
لا مراسم، ولا رسميات، ولا إضاعة وقت... أميركي حتى النخاع. على عجلة، يتناول غداءه المؤلف من 4 هامبورغر «بيغ ماك»، ويمضي يومه في شرب «الكوكا لايت»... الكثير الكثير منها.
لا يهم أين تفشل وأين تنجح. حاول مرة أخرى. ربح جميع الحروب: حرب الرسوم، وحرب المهاجرين، و«حرب أوكرانيا»، والحرب الاقتصادية الكبرى مع الصين. وأخطأ في تهجئة اسم أذربيجان... ووضع ألبانيا بدل أرمينيا. لا يهم. لا وقت لمثل هذه التفاصيل الصغيرة... جورج بوش الابن كان يخطئ في جميع الأسماء والتواريخ.
في الرحلة الآسيوية يعلن ترمب أن الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، «صديقه الكبير» ويتمنى زيارته. يحوّل ما قد تكون أجدى المعجزات التاريخية إلى تبادل زيارات عادي، ويضع جانباً إحدى أقدم حروب أميركا، من أجل أن يضمها في ساعة إلى الحروب التي أنهاها وتلك التي سوف يعمل على إنهائها حول العالم.
إذا خرج ترمب من الصين باتفاق، فسوف يكون ذلك في أهمية الاتفاق الذي وقعه ريتشارد نيكسون مع ماو تسي تونغ. وكما غيّر ذلك وجه السياسة العالمية، فلا أحد يدرك مدى تأثير اتفاق اليوم على خريطة الكون السياسية.
درج كثيرون على تشبيه ترمب بفارس الطواحين الخيالية؛ دون كيشوت، لكننا لا ندري إلى أي عالم يأخذنا صاحب الأبراج في جولاته اليومية المنهكة على بؤر الحروب وبحيرات السلام. بين ليلة وضحايا وضع يده على مفاتيح الكرة الأرضية، من دون أن يكون قد شغل أي منصب سياسي في بلاده من قبل. كل ما هناك أنه - مثل فولوديمير زيلينسكي – كان ممثلاً، ولكن في دور ثانوي. ومن الشاشة الصغيرة قفز إلى مسرح العالم، يلعب دور البطل الأول. أهم شيء في الأفلام، كما في الحقيقة، المشهد الأخير...