بقلم:سمير عطا الله
كان أشهرَ الوسطاء في الحرب الأهلية اللبنانية مهاجرٌ من أصل لبناني يُدعى فيليب حبيب. كان حبيب نموذج الرجل القروي، عريض الجبين، وضخم الأنف، وعريض المنكبين، وجهوري الصوت، وعليه معالم السمنة المتأتية عن النظام الغذائي الجبلي: الحمص على أنواعه وتنويعاته. كنت أشاهد الوفد الأميركي أحياناً في أحد مطاعم باريس اللبنانية مقبلاً على وجبة من الحمص، فألقي عليه التحية والسؤال التقليدي: شو أخبارنا من عندك؟ وكان جوابه من كلمة واحدة لا تتغير: طويلة يا cousin.
أمضى فيليب حبيب الذي كان موظفاً رفيعاً في «الخارجية» وصديقاً شخصياً لرونالد ريغان، نحو عامين في بيروت يحاول الجمع بين اللبنانيين، عاد بعدها إلى واشنطن ليضع كتاباً مليئاً بالمرارة عن تجربته في وطنه الأم عنوانه «ملعون هو صانع السلام».
تذكرت الـcousin وعنوانه المرير ودراميات صانعي السلام، عندما كتبت قبل نحو أسبوعين بعد الغارة على الدوحة، كيف اغتال الإسرائيليون أول وسيط سلام في الصراع على فلسطين؛ الدبلوماسي السويدي فولك برنادوت. وشعرت بعدها بأنني لم أعطِ الرجل حقه بوصفه أول وسيط أممي في القضية، وأول ضحايا الموقف الإسرائيلي من عملية السلام. وكان قتلة برنادوت أعضاء في جماعة يهودية متطرفة تدعى «ليهي» - التي غالباً ما تسمى «عصابة شتيرن» - التي كانت قد قتلت كثيراً من المسؤولين والجنود البريطانيين الذين كانوا يديرون إقليم فلسطين الخاضع للانتداب قبل ولادة إسرائيل.
تأكدت عبثية جهود برنادوت في إحلال السلام من خلال حقيقة أن اغتياله كان المحاولة الثانية لاغتياله في ذلك اليوم نفسه، حيث كانت المحاولة الأولى من قبل «الطرف الآخر» في النزاع:
فقد أطلق شاب عربي النار أثناء توجهه من المطار، وأخطأت الرصاصة سيارته ولم تُصِبها. وكان كمين عصابة «شتيرن» أكثر فتكاً وفاعلية. تم وضع سيارة جيب معطلة على ما يبدو عبر الطريق الذي كان يسير عليه موكب برنادوت، مما أجبره على التوقف. خرج ثلاثة مسلحين يرتدون الزي العسكري لقوات الدفاع التابعة للدولة اليهودية الجديدة.
أطلق اثنان منهم النار على إطارات سيارة برنادوت، بينما قام الثالث، الذي تم التعرف عليه لاحقاً على أنه يهوشوا كوهين (1922 - 1986)، بإدخال رشاش من خلال نافذة السيارة وفتح النار، مما أدى إلى مقتل برنادوت ومساعده العسكري الفرنسي أندريه سيرو. لم يقدم أحد للمحاكمة على هذه الجريمة، على الرغم من أن اثنين من أعضاء العصابة اعترفا بمسؤوليتهما عنها بعد وفاة كوهين. كان أحد المنظمين الرئيسيين للاغتيال هو إسحاق شامير، الذي سيصبح رئيس وزراء إسرائيل في عام 1984.
إلى اللقاء.