بقلم : سليمان جودة
كان الدكتور زكى نجيب محمود قد كتب ذات يوم يقول «ويل للمعاصرين من المعاصرين» وكان يقصد أن التقييم الحقيقى لما قدمه فلان أو علان فى الحياه العامة يأتى فى الغالب فى عصر لاحق، لا فى العصر الذى عاش فيه فلان أو علان من الناس. وكان القصد كذلك أن المعاصرين يكيدون لبعضهم البعض فى الغالب أيضاً، فلا يظهر أمام الرأى العام ما يجب أن يظهر أمامه من الأعمال.
ورغم أن الدكتور زكى كان يتكلم عن حياة الفكر والثقافة، وعن الذين يعملون ويتحركون فى هذه الحياة بالذات، إلا أن هذا لا يمنع أن يمتد ما يقوله إلى خارج الفكر والثقافة، ليشمل الدول فى ميدان السياسة الواسع.
شىء من هذا تجده فى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو يتكلم عن أن التاريخ سيحاسب دولاً على موقفها المتخاذل من غزة.
فلقد عاش العالم مراحل من تاريخه يراهن فيها على وجود ما يسمى القانون الدولى العام، ثم على قدرة هذا القانون الدولى العام على المحاسبة والمساءلة، إذا ما تجاوزت دولة فى حق دولة، أو اعتدت على شعب، أو داست على حقوقه، أو طغت حكومة على حكومة، وهى لا تبالى بطغيانها ولا تهتم.
عاش العالم المعاصر يراهن على شىء من ذلك، وعلى أن مثل هذا القانون الدولى العام سوف يسعفه إذا ما كان الأمر يستدعى إظهار سلطان القانون بين الدول، أو يتطلب حضور سيف القانون نفسه بين أعضاء المجتمع الدولى.
ولكن جاءت الحرب على الفلسطينيين فى قطاع غزة وفى الضفة الغربية على السواء، لتقول إن ما عشنا نصفه بأنه مجتمع دولى أقرب للخرافة منه إلى أى شىء آخر، وأن ما عشنا نراهن عليه بالنسبة للقانون الدولى العام صار رهاناً فى غير مكانه، وأن ما يسمى المجتمع الدولى يقف أمام حرب الإبادة فى حق الفلسطينيين بين العجز والشلل، وأن ما يوصف بأنه القانون الدولى العام يبدو قليل الحيلة أمام الإجرام الذى تشهده أرض فلسطين على مدار اليوم، ولفترة تقترب من العامين الكاملين!.
هنا..وهنا على وجه التحديد.. تجىء عبارة الرئيس فى محلها تماماً.. تجىء لتقول إن المجتمع الدولى إذا كان قد وقف مكبل اليدين، وإن القانون الدولى العام إذا كان قد عجز عن أن يطول المجرمين، فإن التاريخ لن يكون كذلك أبداً، وإنما سيحاسب دولاً على تخاذلها فى إنقاذ غزة، وسيذكرها دولة من وراء دولة، ولن تفلت دولة متخاذلة من حساب التاريخ، إذا جاز لها أن تفلت من حساب آخر غير حساب التاريخ.