بقلم: سليمان جودة
تبدو الجولة التى يقوم بها الرئيس الأمريكى ترامب فى عدد من دول جنوب شرق آسيا، وكأن الهدف منها توقيع اتفاق سلام بين تايلاند وكمبوديا، ولكن بشيء من التدقيق يتبين لنا أن هذا الهدف مجرد غطاء، وأنه ليس الهدف الحقيقى وراء الجولة.
قد يكون توقيع اتفاق سلام بين البلدين اللذين تحاربا لفترة قصيرة هدفًا يستحق، فليس أغلى من السلام فى هذا العالم الذى يقاتل نصفه النصف الآخر، وقد يكون الغرض من وراء توقيع الاتفاق أن ترامب لا يزال يغازل لجنة جائزة نوبل للسلام، أو أنه يعمل على ملء الملف الخاص به، لعله ينال الجائزة السنة المقبلة بعد أن قفزت فوقه هذه السنة.
هذا كله وارد وجائز، ولكن هناك هدفًا آخر خفيًا هو الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو بين إدارة ترامب فى واشنطن وحكومة الرئيس شى جينبينج فى بكين. وبقدر ما هو صراع فى المطلق بينهما بقدر ما هو هذه الأيام على شيء محدد.
ولو نذكر، فإن الطرفين كانا قد اتفقا قبل أسابيع على مقايضة من نوع فريد، وكانت المقايضة تقوم على أساس أن تمد الصين الأمريكيين بالمعادن النادرة التى تمتلكها، وتستحوذ على الاحتياطى الأكبر منها عالميًا بين الدول، وأن يسمح ترامب فى المقابل للطلبة الصينيين بالالتحاق بالجامعات الأمريكية، بعد أن كان قد فرض قيودًا على ذلك.
ولكن يبدو أن الرئيس جينبينج أعاد التفكير فى الأمر، وكانت النتيجة أنه تراجع عن اتفاقه، وراح من جانبه يفرض قيودًا على تصدير هذا النوع من المعادن، وبالذات إلى الولايات المتحدة.. وما كاد يفعل ذلك حتى أصيب الرئيس الأمريكى بما يشبه الجنون، وفرض رسومًا جمركية مضاعفة على وارادات بلاده من الصين.
ولم يكن هذا كافيًا بالطبع، لأن المعادن النادرة إياها ضرورية للغاية لأمريكا، ولأنها تدخل فى صناعة السلاح المتطور والتكنولوجيا العصرية، فكان لا بد من بديل سريع، وهذا ما سوف تلاحظه لو دققت فى تفاصيل زيارته إلى جنوب شرق أسيا.
ففى الخلفية من مشهد توقيع اتفاق السلام فى ماليزيا بين تايلاند وكمبوديا، كانت هناك اتفاقات للحصول على المعادن النادرة، وهى اتفاقيات لم يتم الإعلان عنها بشكل صريح ولم تتصدر المشهد أمامنا.
الصراع بين الولايات المتحدة والصين ليس صراعًا على معادن نادرة، ولكنه صراع على ملامح المستقبل، ثم صراع على أسبقية الذهاب إليه، وهذا ما سوف يكون علينا أن ننتبه له ونفتح أعيننا.