بقلم : فاروق جويدة
كلما راجعتُ سنوات العمر وما شاهدت من الأحداث والشخصيات والصور، أسأل نفسى: كيف توارت كل هذه الأشياء؟ كيف سقطت كل هذه الأشجار، وتسللت الحشائش؟ كيف غابت الهيبة والقوة والشموخ؟ أين نجوم مصر التى أضاءت aكنا نجتمع على صوت كوكب الشرق كل أول يوم خميس من كل شهر، ونُحلق مع كلمات رامى وألحان السنباطي. كان لدينا موسيقار مبدع اسمه عبدالوهاب. كنا نسمع أحاديث طه حسين، والعقاد، وفكرى أباظة، والشيخ شلتوت، وقراء القرآن الكريم تطوف أصواتهم كل بلاد الدنيا.
كان لدينا عبدالحليم، ومحمد فوزى، والموجى، والطويل، وبليغ، ومكاوى. وكنا أول من أقام الحدائق فى الأورمان والزمالك وحديقة الحيوان.. وكنا أول من شيد القصور فى القبة وعابدين والمنتزه.. وكنا أول إذاعة، وأول دار كتب، وأول جامعة، وأول مسرح، وأول سينما، وأول أزهر، وأول من حفظ الإسلام.
وكان عندنا أمير الشعر شوقى، وراهب النيل حافظ إبراهيم.. وكنا بيت العلماء فكرا ودينا، ودُفن فى أرضنا الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة من آل البيت، رضوان الله عليهم..
وكانت عندنا أعظم مساجد الأرض بعد مكة والمدينة، وفى تراب مصر الطاهر جسد الإمام الشافعي، وابن الفارض، والسيد البدوي، والبوصيرى، وأبوالعباس، وكل أولياء الله الصالحين، ومحمد عبده، والأفغاني، وابن خلدون، وزويل، وحمدان، ومحفوظ، والحكيم، وهيكل، وأنيس، ومصطفى أمين، وبهاء، ويوسف إدريس، والسباعى، وناجى، ومحمود حسن إسماعيل.
كل هذه الأشجار الشامخة كبرت على ضفاف نيلنا الخالد.. من بعيد، للنهر شموخه، وللأرض خصوبتها، وللوطن كبرياؤه. تعالوا نحلم معًا بمصر التى عرفناها.