بقلم:فاروق جويدة
لا أستطيع أن أسقط صفحة واحدة من ذكرياتى فى الأهرام، فهى عمرى الذى أعتز بكل يوم فيها.. دخلت الأهرام وأنا فى السنوات الأولى من العشرينيات، وعشت مع كل رموزها من كبار كتاب مصر فى العصر الذهبى للثقافة المصرية، وتوليت المناصب فى أقسامها الثقافية مشرفًا ومسئولا، ونشرت فى صفحاتها قصائدى فى الحب والوطن والسياسة..
كنت قريبًا من هيكل الأستاذ، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وأنيس منصور، وإحسان عبد القدوس، وعبدالرحمن الشرقاوي، وإبراهيم نافع، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وعشت مع قياداتها الإدارية أزهى عصور ازدهارها.. كتبت فى الأهرام مئات المقالات والقصائد، ولم أنسَ دور الأهرام فى تاريخى الصحفى والمهنى والأدبى.
عشت فى الأهرام أكثر مما عشت فى بيتي، أحفظ جدرانها وكيف احتضنت أحلامى شابًا تصور أنه يمكن أن يكون من صُنّاع الأمل فى هذه الحياة لم تتغير المواقف عندى، ولم أتلوّن، واخترت من البداية موقعى وسط الناس، وبقيت على عهدى: أحلامًا، ودورًا، ومسئولية. رفضت جميع المواقع: مناصب، وأسفارا، ومهام، وبقيت الأهرام الحلم، والبيت، والقضية.
تغيّر كل الأشياء حولى: بشرًا، وتاريخًا، وأحداثًا، وبقيت الأهرام أغلى الأماكن عندى، وأكبر الأحلام، وأجمل سنوات العمر.
تحتفل الأهرام اليوم بعامها المائة والخمسين، وأدّعى أننى كنت شريكًا فى هذا العمر: انتماءً، وتاريخًا، ودورًا. كل ثانية، والأهرام بيتنا متألقًة شامخًة فى كل زمان..
لم تكن الأهرام بالنسبة لى وظيفة أو صحيفة عملت فيها وحملت اسمها كل سنوات عمري، ولكنها كانت قدرى الجميل وتاريخى الذى أفخر وأعتز به، وقبل هذا هى إحدى قلاع الثقافة والفكر والإبداع التى يفخر بها كل مصري.
لقد أصبحت الأهرام تاريخًا ثقافيًّا عريقًا، وتتصدر أكبر الأسماء فى الصحافة العالمية، وكانت دائمًا مدرسة تخرجت فيها أسماء كثيرة فى الصحافة العربية، وعمر الأهرام يتجاوز أعمار دول وشعوب.