بقلم : فاروق جويدة
فى أحيان كثيرة، تبدو الأحداث حولك صورًا غامضة بلا ملامح، الناس والأشياء والأماكن، وتحاول مع نفسك أن تفهم ما يجرى حولك، لتكتشف أنك تعانى قصورا فى الذاكرة، أو أن الأحداث قد سبقتك، أو أنك لم تعد تراها.. وهنا يتوقف بك الزمن، وتبحث عن طريق تسترد به وعيك للأشياء، وتكتشف أن الأشياء لم تعد كما كانت، لقد تغيرت الوجوه والأشخاص والأماكن، وما كنت تراه بالأمس اختفي، وما كان عندك يقينًا اختفى وسط حقائق كاذبة.. لم يعد حولك أحد تثق فيه وتصدقه، ولم تعد لديك حقيقة تأنس إليها، وتجد حولك فريقًا من الممثلين المحترفين الذين يجيدون كل الأدوار، حتى لو كان الأداء رديئًا..
أعترف بأننى فقدت القدرة على استيعاب كل الأشياء حولي، غابت الحقائق وسادت الأكاذيب، وأصبح المشهد أقنعة كاذبة لا تعرف منها أحدًا..
وسط هذا العالم المشوَّه، قررت أن أنسحب قليلًا وأجلس وحيدًا فى ساحة النسيان، قررت أن أمنح ذاكرتى إجازة من كل الشوائب التى تحاصرنى فى الكلام والإحساس والأفكار والهموم والأحداث والقضايا، لم أجد فى كل ما يجرى حولى غير النسيان، ففى زمن العشوائيات النسيان هو الحل..
ما يجرى أحيانًا يجعل الحقيقة أكاذيب، ويجعل الصدق كذبًا، ويجعل الكرامة ضيفًا ثقيلًا.. فى هذه الأيام الصعبة فى كل شيء، يصبح الاحتمال مستحيلًا، والحلم ضياعًا، ولا بديل عن النسيان.. فى ظل أحداث غامضة وقرارات مجهولة وتجمعات وكلمات وخطب وطقوس، يبدو المشهد غريبًا، لأنه بلا ملامح ويفتقد العدل والضمير والحكمة، عالم يمضى إلى الهاوية ويبحث عن طريق.. النسيان ليس ضعفًا، ولكنه مقاومة حين تختلط الأشياء حولك وتغيب الحقيقة، وترى نفسك وحيدًا فى ساحة العجز والضعف والاستسلام.