بقلم : عبد المنعم سعيد
كانت المرة الأولى التى أدخل فيها مبنى الأهرام للمشاركة فى حدث بهيج منذ تركتها فى يناير 2012. المناسبة كانت حضور احتفال الأهرام بعيد الميلاد الثمانينى للأستاذ الكبير محمد سلماوى. المناسبة ذاتها تستحق الاحتفاء لأنها تعيد تقليدًا يقدر التاريخ ويضىء المؤسسة العريقة بل إنها أكثر من ذلك تضفى عراقة على القوة الناعمة المصرية. فى «بانوراما» أهرام الأستاذ هيكل انعقد الجمع من الأدباء والفنانين والساسة وكتاب الرأى، وقلب المؤسسة وجوهرها الصحفيون من أجيال عديدة. مصدر السرور والحبور أن صاحبنا كان فيه كل ذلك؛ فيوم عيده الثمانين كان قد أصدر عموده اليومى، وما بعد الصدور فإن نشاطًا كثيفًا لا بد أنه تتالى بين الصحافة والفن والأدب بطريقة أو بأخرى. عندما يشاد بشخص فإنه يقال إنه موسوعى المعرفة أو الكتابة أو لعب أدوارًا مسرحية ولكن المسألة هى أن يكون الشخص موسوعيًا فى كل شىء، وما افتقده من فن تشكيلى جاء من زوجة فاضلة.
وفى 10 يوليو 2023 كتبت عن أ. محمد سلماوى عمودى الأهرامى أشير فيه إلى الدور «الثورى» الذى لعبه فى ثورة 30 يونيو 2013. من يشاهد ويعرف صاحبنا فربما يجد فى أناقته وصوته وسلوكه ما يجعل صفة الثورة غير لائقة؛ ولكن لمن لا يعرف أن الثورة ليست فقط هتافات وحنجريات، وإنما أدوار كل بما يستطيع، وكان هذا تحديدًا ما قام به فى تلك الأيام الصعبة التى تكالبت فيها على مصر فرق شرسة فما كان إلا أنه شمر عن ساعديه مستخدمًا ثقافته وصلاته وعلاقاته الثقافية لكى يحركها فى اتجاه فهم مصر الجديدة.
لا أدرى شخصيًا كيف مرت ثمانية عقود على مولد محمد سلماوى؛ قرأت مذكراته بالطبع من العنوان «يوما بعد يوم» و«العصف والريحان» كما أن أيامنا سمحت بمحادثات ونقاشات عديدة بدأت فى الجامعة واللغة الإنجليزية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وحتى خروجى من إدارة «المصرى اليوم»، ومرت بفترة عاش فيها داخل مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. ما بين البداية وحتى تاريخه فإن العلاقة كانت شاملة لكافة الأوجه التى ذكرناها آنفا ولكن مع وجهة وقبلة واحدة حول كيف نجعل مصر بالفكر آمنة وناجزة. ما لا يقل أهمية عن ذلك كانت الوجهة الإنسانية النبيلة دائما والتى لا تبخل بالمعرفة التى حصدها بين جامعات ومعاهد تلف الكرة الأرضية. هو من المتابعين الدائمين لما أكتب بقدر ما أفعل أيضًا لما يكتب ويصدر عنه؛ ولكن كلانا قادر على تلافى نقاط نعرف جيدًا أنها كما هو شائع هذه الأيام خطوط حمراء. المسيرة طويلة، وما جاء عنها كان أكثر طولًا، تخيل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وما جرى فيه ليس فقط للأستاذ سلماوى، وإنما أكثر من ذلك للجيل الذى حضر الحفل!.