بقلم : عبد المنعم سعيد
الإعجاب هو الشعور الذى يأتى عندما تقرأ مقالات د. زياد بهاء الدين خاصة من قدرته على الوصول إلى الاتزان بين التناقضات التى يحتويها النقاش. هى نقطة لا يأتيها بسهولة وإنما هى نتاج علم وبحث وخبرة التعامل مع الواقع المصرى ليس فقط بوقائعه وحقائقه وإنما بالحساسية الفائقة للمناخ العام. فى مقاله الأخير اقترب من موضوع «قانون الإيجار» وتحقيق التوازن بين «العدالة القانونية» التى تعطى حقا للمالك؛ والعدالة الاجتماعية التى يستحقها المستأجر، والتى عندها يجب تدخل الدولة لكى تغطى الفارق بين الحق والاستحقاق. وكان ذلك ما توصلنا له فى مقال (مراجعات المالك والمستأجر 3 / 6 /2025) الذى أضاف للقضية بعدا، وتناقضا ثالثا أيضا، وهو الخاص بالعدالة الاقتصادية. الاقتصاديون فى العادة يتعاملون مع هذا البعد من زاوية توزيع الثروة؛ والسياسيون من زاوية الاستقرار السياسى؛ ولكن ما يربط بينهما أهمية التقدم الاقتصادى. المعنى هنا يقع فى السؤال هل القانون المقترح يأخذ الاقتصاد فى الدولة إلى زاوية والنمو الاقتصادى، وتقليص الديون أو وضع نهاية لها وعادة إدمانها، وتساهم فى التشغيل وانخفاض التضخم وخفض هجرة العقول وزيادة التطورات التكنولوجية والمكانة الدولية للدولة ومقامها العالمى؟!
إن مصر حاليا تمر باختبار كبير يتعلق بقوة الدفع الكبيرة القادمة من الحاجة إلى تحقيق معدلات مرتفعة للنمو تصل إلى المعدلات الآسيوية فى الانطلاق الذى نجده فى فيتنام وكوريا الجنوبية وإندونيسيا؛ وما بين التمسك بقوانين كانت من أسباب الجمود الاقتصادى الذى جمد معدلات النمو لدينا ما بين 3و4٪؛ ولا توجد فرصة لما هو أكثر إلا من خلال مضاعفة الاستثمارات القومية. قانون الإيجار يقع ضمن هذه الحزمة من القوانين التى تقف فى وجه هذا الشرط للتقدم الاقتصادى لأنها لا تضيف سمعة تجذب المستثمر وتضع شكا دائما فى قدرة الدولة على حل التناقض ما بين العدالة القانونية وهو شرط أساسى للاستثمار الناجح الذى لا يثق كثيرا فى الدول والمجتمع التى تضع أثقالا اجتماعية على كل خطوة إلى الأمام؛ وتقفل الباب أمام تحرير استثمارات قائمة يقع فى مقدمتها ملايين الشقق المغلقة مخافة الوقوع فى براثن سوابق تجميد الإيجارات لعدم الرضاء المجتمعى؛ وإغلاق أبواب حل التناقضات القانونية والاجتماعية من خلال وفرة سوق التأجير والإتاحة العقارية للطلب.
التقدم العام، والاقتصادى الإنتاجى خاصة، ثبت أنه فى تجارب تنموية كثيرة هو الذى يحل التناقضات المستحكمة فى المجتمعات والدول. التجربة المهمة لدينا جرت ما بين عامى 2014 و2019 عندما بدأت مصر فى اقتحام القضايا الاقتصادية والاجتماعية بحثا عن التوازن ما بين الجغرافيا والديمغرافيا فى الدولة، فإننا شهدنا لأول مرة أن قضية الزيادة السكانية المزمنة والسابقة دوما للقدرة الإنتاجية بدأت رحلتها نحو التراجع فى معدلاتها، وفى العام الماضى 2024 باتت الزيادة السكانية لأول مرة أقل من 2 مليون نسمة. العقد الحالى ربما يفتح الباب للتقدم لكى يحل تناقضات أخرى مستعصية.