بقلم : عبد المنعم سعيد
الحرب تقوم على صراع بين طرفين، تناقضت مصالحهما بشدة إلى الدرجة التى لا يمكن حلها إلا بالقوة المسلحة. وهى مثل المنافسات الرياضية، تفترض قدرا من التكافؤ، حيث تسمح باتباع قواعد تواضع الطرفان على اتباعها. ولكن فى الحروب الشرق أوسطية التى جرت خلال العامين الماضيين كانت عمليا من طرف واحد (إسرائيل) مع أطراف متعددة لا يوجد فيها تكافؤ أولا من حيث كونهم، فيما عدا الحرب الإيرانية، لم تكن دولا وإنما تنظيمات من غير الدول، بدأت بحماس وتوابعها من الفلسطينيين ثم شملت حزب الله والحوثيين والحشد الشعبى العراقي. الحرب على الجبهة السورية كانت مثالا على الحرب من طرف واحد، حيث انعدم التكافؤ العسكرى وأكثر من ذلك السياسى الذى انحاز فيه طرف سورى إلى إسرائيل.
فى الحالتين الإيرانية والسورية كان مدى الحرب 12 يوما فى الأولى و24 ساعة فى الثانية؛ وفى غيرهما فإن الحرب مستعرة منذ 7 أكتوبر 2023. سر التفوق العسكرى الإسرائيلى الساحق فى كل هذه الحروب كان من ناحية استنادا إلى الولايات المتحدة؛ وفى أوقات مضافة لها دول أوروبية؛ ومن ناحية أخرى التخطيط الطويل المدى الذى احتوى المفاجأة الأولى وأعطى القدرة على تخطى كل القوانين الإنسانية.
والآن بعد تعدد جبهات المواجهة ونجاح إسرائيل فى كسرها الواحدة وراء الأخرى؛ فإنها فشلت فى إحراز نصر، حيث طال الزمن والمسائل عالقة مع خسائر مادية وأخلاقية لا يحسب لها ثمن. ادعاء إسرائيل بقدرتها على إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد ما حققته عسكريا فيه الكثير من الزيف والبعد عن الإقليم الذى تقيم فيه أكثر من أى وقت مضى.
إسرائيل تغيرت هى الأخرى من الداخل بعد مشاهدة انجرافها نحو اليمين الدينى وبعد فشلها رغم أسلحة الجوع والمرض فى تحقيق الأهداف التى وضعتها. لم يكن فى ذلك نصراستراتيجى لخصومها، ولكن المؤكد أن الإقليم أصبح بعيدا عن السلام أكثر من أى وقت مضى.